فهو عليه السلام قد أعطى الميزان والضابطة ، والتعليل الواضح ، لكونه عليه السلام لا يحق له أن يبايع يزيد. ولكنه يجعل ذلك ضمن قانون عام تكون نتيجته أن هذا الصنف من الناس ، وهذه النوعية ، لا يحق لها أن تبايع تلك النوعية ، وذلك الصنف ، ملخِّصاً ذلك بقوله : « ومثلي لا يبايع مثله ».
ثم ... وبما أن ذكر تلك الضابطة ، قد استلزم التصريح ببعض ما ربما يتوهم منافاة التصريح به للهداية القرآنية ... نجده عليه السلام يشير الى أنَّ ذلك التوهم مسوّغ له ، مادام ان يزيد بن معاوية « معلن بالفسق » ولا يتستر بذلك ،
فكما لا مجال لأيِّ ترديد أو خيار في اتخاذ ذلك القرار ، كذلك لا مجال للتواني ، ولا للترداد في الجهر به ، والاعلان عن مبرراته ودوافعه ...
وبعد ... فالبرغم من ان واقعة الطفِّ كانت من أبشع ما عرفه التاريخ البشري ... فإننا لا نجد الامام الحسين عليه الصلاة والسلام فيها إلّا ذلك الصابر المحتسب الذي لا تندُّ منه حتى ولو كلمة واحدة في غير المسار الطبيعي للهداية القرآنية التي تقدمت الاشارة إليها.
بل إن كلماته في ذلك الموقف المصيري كانت تطفح بالحب والحنان ، وتفيض بالأدب والطهر والنبل ، والنزاهة عن كل سباب قبيح ، أو استرسال مشين ، رغم هول المصائب التي يواجهها ، وفداحة الكوارث التي يعاني منها ...
بل نجده (ع) ـ كما كان ـ حتى لأعدائه ، والذين يقتلون صحبه وولده ، ويريدون إزهاق نفسه ، ثم سبي نسائه ـ نجده ـ يبقى كالوالد الرحيم ، الذي تذهب نفسه عليهم حسرات ، والذي لا همَّ له إلّا هدايتهم ، وحملهم على المحجة البيضاء ، وإرشادهم الى سبيل الخير ، والفلاح والرشاد ...
وإذا ما رأينا أحيانا بعض المواقف الحادة والفاصلة للأئمة عليهم السلام ، فإنما هو في مقابل أولئك الذين حاولوا ضرب أساس الاسلام ، وتقويض دعائمه ، من أمثال أبي الخطاب ، والمغيرة بن سعيد ، وأضرابهما من الغلاة والنواصب. ولسنا في مجال استقصاء ذلك هنا.