فلا معنى إذن .. لحصر فهم الآيات القرآنية والنصوص النبوية ، التي فيها أيضا المحكم والمتشابه والعام والخاص ووالخ ـ كالقرآن ـ لا وجه لحصر فهمها بطائفة دون طائفة ، ولا بفريق دون فريق .. فكل من فهم من القرآن أمراً صحيحاً جديداً تعيَّن عليه أن يلتزم به ، ويعمل بما فهم .. وكم قد ترك الأوَّل للآخر .. وكم من التفريعات الفقهية التي تنبَّه إليها المتأخرون ، ولم يذكرها السلف ، ولا أشار اليها ولا خطرت لهم على بال ، ولا احتاجوا إليها إطلاقا.
١٠ ـ هذا كله .. عدا عما تقدم ، من أن المانع هو الذي يحتاج إلى الدليل ، وأمَّا الآخرون فلا يدَّعون أنَّ ذلك جزءاً من الشريعة ، ليصح الاحتجاج عليهم بفعل السلف ، أو بعدم فعلهم.
١١ ـ وبعد .. فلو كان عمل السلف حجة ، لدخل الكثير مما ليس من الدين في الدين ، وذلك من قبيل ما أحدثه الأمويون في أيّام عاشوراء ، ولم يجترئ السلف على معارضتهم ، بل اضطروا الى مجاراتهم ، فهل يكون عمل السلف هذا حجة على من بعدهم ؟!
ومثل ذلك كثير في حياة السلف ، وأعمالهم ، ومواقفهم ، يشمل سائر الأحوال والأعمال التي أرادهم الحكام عليها ، ولم يمكنهم المخالفة فيها سواء في عهد الأمويين أو العباسيِّين.
١٢ ـ بل إن هؤلاء المانعين أنفسهم يعلِّلون إقدام السيوطي على التأليف في مشروعية المولد بقولهم :
« وذلك إرضاءً للعامة والخاصة أيضا من جهة. وتبريراً لرضى العلماء بها ، وسكوتهم عنها ، لخوفهم من الحاكم والعوام من جهة أخرى .. » ١.
وأمّا أنَّ هذه المواسم والموالد قد جُعِلتْ لهدم الاسلام ، والقضاء على العقيدة الاسلامية ، فهو صادرة على المطلوب .. وذلك لأن من يقيم المولد والموسم يقول : إن هذه المواسم والموالد قد جُعِلتْ لأجل إحياء الاسلام ، وتركيز العقيدة الاسلامية .. وإذا ما كان هناك من يستغل بعض الأمور المحلَّلة لأمور محرَّمة ، فلا
__________________
١ ـ الإنصاف فيما قيل في المولد من الغلو والإجحاف / ص ٥٧.