عمّه سعد واليا على المدائن ، وهو لهذا كان قد تعلم شيئا من أساليب الإدارة والحكم ، وعاش على مقربة من مركز القيادة المركزية للدولة الإسلامية ، وواكب أحداثها حتى عودة الزعامة للإمام علي عليهالسلام ، فكان أن انضمّ إلى جنده وأصحابه ، وهو في عنفوان شبابه ، ومن المؤكد أنه شارك في معارك الإمام جميعها ، أو قسما منها على أقل تقدير. ولقد كان لسنوات الصحبة تلك أثر في نفسه دونما شك وهو يستذكر بفخر ذكريات طفولته ، ولعبه على فخذ الإمام علي عليهالسلام ، ثم يستحضر في مخيلته ما كان يبعثه لقب «كيسان» في نفسه بملاحظة سببه ، فيرى فيه بشارة المجد واعتلاء منصة العدل على رقاب قتلة ذرية الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولا شك أنّه وصلت إلى أسماعه كلمات الإمام الحسين عليهالسلام في ساعاته الأخيرة : « اللّهمّ احبس عنهم قطر السماء ، وابعث عليهم سنين كسني يوسف ، وسلِّط عليهم غلام ثقيف ، يسقهم كأسا مصبّرة ، ولا يدع فيهم أحدا ألاّ قتلة بقتلة وضربة بضربة ، ينتقم لي ولأوليائي وأهل بيتي وأشياعي ، منهم وإليك أنبنا وإليك المصير » (١).
ولا شكّ بأنّه كان يعلم بأنّه هو المقصود بغلام ثقيف ، وإلاّ فقد أخبره ميثم التمّار (٢) وهما في سجون عبيد اللّه بن زياد قائلاً : « أنت تخرج ثائرا بدم الحسين بن علي ، فتقتل عبيد اللّه بن زياد ، وتطأ بقدميك على وجنته » (٣).
__________________
(١) البحار ٤٥ : ١٠.
(٢) ميثم : هو ميثم التمّار بن يحيى الأسدي ، كان عبدا لامرأة من بني أسد ، اشتراه الإمام علي عليهالسلام وأعتقه. سكن الكوفة ، وصلبه عبيد اللّه بن زياد على جذع نخلة ، وكان ذلك قبل مقدم الحسين عليهالسلام إلى العراق ، بعشرة أيام.
(٣) البحار ٤٥ : ٣٥٣.