قد يشكل على ما ذكرناه من صحّة توجيه الخطاب بالزجر والنهي فضلا عن ثبوت المبادئ من مفسدة ومبغوضيّة ، بأنّ مثل هذا الخطاب لغو وتحصيل للحاصل ؛ لأنّ المقصود من النهي والزجر إبعاد المكلّف عن الارتكاب وهذا واقع منه لا محالة ؛ لأنّه خارج عن محلّ ابتلائه ولن يتمكّن من الوصول إليه عرفا ، فيكون الخطاب مستهجنا عرفا.
والجواب على ذلك : أنّ فائدة النهي والزجر ليست محصورة في إبعاد المكلّف عن الارتكاب والفعل مطلقا ولو بأي داع ، بل إبعاده عن ذلك بقصد التوصّل إلى الطاعة والقرب من الله عزّ وجلّ ؛ لأنّ الغاية النهائيّة من أفعال وتروك المكلّفين هي كونها موصلة لهم لله عزّ وجلّ ، وهذا يشترط فيه قصد القربة والإطاعة وامتثال الأمر والنهي.
وهنا يمكن للمكلّف بعد صدور خطاب النهي أنّه ينوي القربة لله عزّ وجلّ بالترك وعدم الارتكاب ، سواء كان في مقدوره عرفا الوصول إليه وارتكابه أم كان بعيدا عنه ولا يتمكّن عرفا من ارتكابه.
وبتعبير آخر : يكون الخروج عن محلّ الابتلاء محقّقا لأحد جزأي الفائدة والمقصود والغاية من الخطاب ، وليس محقّقا لتمام المقصود ، أي أنّ الخروج عن محلّ الابتلاء يحقّق الترك ، وأمّا الجزء الآخر وهو قصد القربة فلم يكن محقّقا به ، وإنّما يتحقّق بعد صدور الخطاب بالنهي عن الفعل والارتكاب ؛ لأنّه بهذا الخطاب سوف يعلم بأنّ الترك وعدم الارتكاب مطلوب للمولى عزّ وجلّ.
فالأفضل أن يفسّر عدم تنجيز العلم الإجمالي مع خروج بعض أطرافه عن محلّ الابتلاء باختلال الركن الثالث ؛ لأنّ أصل البراءة لا يجري في الطرف الخارج عن محلّ الابتلاء في نفسه ؛ لأنّ الأصل العملي تعيين للموقف العملي تجاه التزاحم بين الأغراض اللزوميّة والترخيصيّة ، والعقلاء لا يرون تزاحما من هذا القبيل بالنسبة إلى الطرف الخارج عن محلّ الابتلاء ، بل يرون الغرض اللزومي المحتمل مضمونا بحكم الخروج عن محلّ الابتلاء بدون تفريط بالغرض الترخيصي ، فالأصل المؤمّن في الطرف الآخر يجري بلا معارض.
والصحيح في سقوط العلم الإجمالي عن المنجّزيّة أن يقال : إنّ الركن الثالث