فظهر أنّ مثل أصالة الحلّ والإباحة تجري بلحاظ الحكم الواقعي المشكوك ، وهذا متحقّق في مقامنا إذ لا يعلم بالحكم الواقعي ، فالموضوع متحقّق.
وثانيا : أنّ الرفع الظاهري في كلّ من الوجوب والحرمة يقابله الوضع في مورده ، وهو ممكن فيكون الرفع ممكنا أيضا ، ومجموع الوضعين وإن كان مستحيلا ولكنّ كلاّ من الرفعين لا يقابل إلا وضعا واحدا لا مجموع الوضعين.
والجواب الثاني : أنّ ما ذكره من عدم جريان البراءة التي لسانها من قبيل رفع ما لا يعلمون غير صحيح أيضا ؛ وذلك لأنّ المراد من الموصول هو الشيء بعينه المجهول والمشكوك ، وحينئذ نقول : إنّ الوجوب بنفسه ممكن أن يوضع ، إذن فيمكن أن يرفع أيضا ، أي أنّه كما يحتمل صدور إلزام ظاهري للحفاظ على ملاكات الإلزام المحتملة يحتمل أيضا صدور ترخيص ظاهري للحفاظ على ملاكات الترخيص المحتملة.
وهكذا الحال بالنسبة للحرمة نفسها فيمكن وضع الاحتياط بلحاظها ولذلك يمكن رفع إيجاب الاحتياط ظاهرا.
وتكون النتيجة إمكان صدور ترخيصين : أحدهما بلحاظ الوجوب المشكوك ، والآخر بلحاظ الحرمة المشكوكة.
ولا يلزم من ذلك أن يكون المطلوب هو الجمع بين الضدّين ليقال بأنّه مستحيل فيستحيل طلب تركهما ، بل المراد أنّ كلّ واحد من الوجوب والحرمة فيه وضع مستقلّ لإيجاب الاحتياط ، ويراد بأدلّة البراءة الشرعيّة رفع كلّ واحد من هذين الوضعين بنحو مستقلّ ، ولا يلزم من ذلك الجمع بين الوضعين ، وإن لزم منه الجمع بين الرفعين ؛ إذ من الممكن التفكيك بين التلازم بأن يكون الجمع بين الوضعين مستحيلا ، ولكن الجمع بين الرفعين ممكن.
نظير قدرة الإنسان على الإتيان بالأفعال المتضادّة كل واحد منها مستقلاّ عن الآخر ، كالسفر إلى هذا البلد والسفر إلى ذاك وهكذا ، بحيث يستحيل أن يجمع بين هذه الأسفار في وقت واحد ، ولكنّه قادر على الجمع بين تركها بألاّ يسافر إلى أي بلد منها.
وهنا من هذا القبيل ، فإنّ المكلّف غير قادر على الجمع بين الفعل والترك ، والشارع لا يمكنه طلب الجمع بينهما ؛ لأنّه من طلب المستحيل ، إلا أنّه يمكنه الترخيص عن