والأصول الترخيصيّة لا تجري ، فالحكم هو التخيير العقلي فقط دون أن يكون هناك موقف للشارع منها.
وينبغي أن يعلم أنّ دوران الأمر بين المحذورين قد يكون في واقعة واحدة ، وقد يكون في أكثر من واقعة ، بأن يعلم إجمالا بأنّ عملا معيّنا إمّا محرّم في كلّ أيّام الشهر أو واجب فيها جميعا. وما ذكرناه كان يختصّ بافتراض الدوران في واقعة واحدة.
وأمّا مع افتراض كونه في أكثر من واقعة فنلاحظ أنّ المخالفة القطعيّة تكون ممكنة حينئذ ، وذلك بأن يفعل في يوم ويترك في يوم ، فلا بدّ من ملاحظة مدى تأثير ذلك على الموقف ، وهذا ما نتركه لدراسة أعلى.
وهنا تنبيه : وهو أنّ دوران الأمر بين المحذورين قد يفرض وجوده في واقعة واحدة ، وقد يفرض في أكثر من واقعة ، فهنا صورتان :
الأولى : ما إذا كان الدوران بين الوجوب والحرمة في واقعة واحدة ، كما إذا علم بصدور حلف منه إمّا على فعل السفر أو على تركه يوم الجمعة.
وهذه الصورة هي التي كانت مقصودة في الأبحاث الماضية.
الثانية : ما إذا كان الدوران بين الوجوب والحرمة في أكثر من واقعة ، كما إذا علم بصدور حلفين منه إمّا على فعل السفر وإمّا على تركه يوم الخميس ويوم الجمعة معا ، وكما إذا علم بحرمة شيء في تمام أيّام الشهر أو بوجوبه في تمام أيّام الشهر كذلك.
فهنا يمكننا فرض المخالفة القطعيّة بخلافه في الحالة السابقة ؛ وذلك لأنّه إذا فعل في يوم وترك في يوم ، أو سافر في كلا اليومين أو ترك السفر فيهما معا ، فإنّه يعلم بحصول المخالفة القطعيّة جزما.
ومن هنا ينفتح البحث مجدّدا في مؤثّريّة مثل هذا العلم الإجمالي في المنجّزيّة أو عدم كونه مؤثّرا فيها ، وفي جريان الأصول الترخيصيّة في الطرفين أو الأطراف أو عدم جريانها.
وهذا البحث نؤجّله إلى درس الخارج إن شاء الله تعالى.