كان عيسى ابنه من الوجه الذي كان عيسى ابنه ، ثم إن ما في هذا الكتاب يبطل عليكم هذا الذي زعمتم أن عيسى من جهة الاختصاص كان ابنا له ، لانكم قلتم : إنما قلنا : إنه ابنه لانه اختصه بما لم يختص به غيره ، وأنتم تعلمون أن الذي خص به عيسى لم يخص به هؤلاء القوم الذين قال لهم عيسى : أذهب إلى أبي وأبيكم ، فبطل أن يكون الاختصاص لعيسى ، لانه قد ثبت عندكم بقول عيسى لمن لم يكن له مثل اختصاص عيسى وأنتم إنما حكيتم لفظة عيسى وتأولتموها على غير وجهها ، لانه إذا قال : أبي وأبيكم فقد أراد غير ما ذهبتم إليه ونحلتموه ، (١) وما يدريكم لعله عنى : أذهب إلى آدم أو إلى نوح إن الله يرفعني إليهم ويجمعني معهم ، وآدم أبي وأبيكم وكذلك نوح ، بل ما أراد غير هذا ، فسكتت النصارى وقالوا : ما رأينا كاليوم مجادلا ولا مخاصما وسننظر في امورنا.
ثم أقبل رسول الله صلىاللهعليهوآله على الدهرية فقال : وأنتم فما الذي دعاكم إلى القول بأن الاشياء لا بدء لها وهي دائمة لم تزل ولا تزال؟ فقالوا : لانا لا نحكم إلا بما نشاهد ولم نجد للاشياء محدثا (٢) فحكمنا بأنها لم تزل ، ولم نجد لها انقضاء وفناء فحكمنا بأنها لا تزال ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : أفوجدتم لها قدما أم وجدتم لها بقاء أبد الابد؟(٣) فإن قلتم : إنكم وجدتم ذلك أثبتتم (٤) لانفسكم أنكم لم تزالوا على هيئتكم (٥) وعقولكم بلا نهاية ولا تزالون كذلك ، ولئن قلتم هذا دفعتم العيان وكذبكم العالمون الذين يشاهدونكم ، قالوا : بل لم نشاهد لها قدما ولا بقاء أبد الابد ، (٦) قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : فلم صرتم بأن تحكموا بالقدم والبقاء دائما؟ لانكم لم تشاهدوا حدوثها وانقضاءها أولى من تارك التميز لها مثلكم ، فيحكم لها بالحدوث والانقضاء والانقطاع ، لانه لم يشاهد لها
____________________
(١) في هامش المصدر : تأولتموه ( خ ل ).
(٢) في نسخة : وفى الاحتجاج حدثا.
(٣) في المصدر : أبدا الاباد.
(٤) في نسخة : وفى الاحتجاج : أنهضتم لانفسكم.
(٥) في نسخة : لم تزالوا على ذهنكم وعقولكم.
(٦) في المصدر : ابد الاباد.