لا مقام لي معكم أكثر من يومي هذا ، وغدا توسدوني التراب (١) ، فبكى القوم بكاء شديدا وعلموا أنه مفارق الدنيا ، ولم يزالوا يشاهدونه (٢) حتى طلع الفجر الاول ، فاشتد به الامر ، فقال لهم : اقدعوني وسندونى وآتوني بدواة وقرطاس ، فأتوه بما طلب ، وجعل يكتب وأصابعه ترتعد ، فقال : باسمك اللهم هذا كتاب كتبه عبد ذليل ، جائه أمر مولاه بالرحيل ، أما بعد فإني كتبت إليكم هذا الكتاب وروحي بالموت تجاذب ، لانه لا لاحد من الموت مهرب (٣) ، وإني قد نفذت إليكم أموالي فتقاسموها بينكم بالسوية ، ولا تنسوا البعيدة عنكم (٤) التي آخذت نوركم ، وحوت عزكم سلمى ، واوصيكم بولدي الذي منها ، وقولوا : لخلادة (٥) وصفية ورقية يبكين علي ، ويندبن ندب الثلاكلات ثم بلغوا سلمنى عني السلام وقولوا لها : آه ثم آه ، إني لم أشبع من قربها ، والنظر إليها وإلى ولدها ، والسلام عليكم ورحمة الله إلى يوم النشور ، ثم طوى الكتاب وختمه ودفعه إلى اصحابه ، وقال : اضجعوني فأضجعوه ، فشخص ببصره نحو السماء ثم قال : رفقا رفقا أيها الرسول بحق ما حملت من نور المصطفى ، وكأنه كان مصباحا وانطفئ ، ثم لما مات جهزوه ودفنوه وقبره معروف هناك ، ثم عزم عبيدة وغلمانه على الرجل بأمواله وفيه يقول الشاعر :
اليوم هاشم قد مضى لسبيله |
|
يا عين جودي منك بالعبرات |
وابكي على البدر المنير بحرقة |
|
وابكي على الضرغام طول حياتى |
آه أبوكعب مضى لسبيله |
|
يا عين ففابكى الجود بالعبرات |
صعب العريكة لابه لوم ولا |
|
فشل غداة الروع والكربات |
يا عين ابكي غيث جود هاطل |
|
أعني ابن عبد مناف ذي الخيرات |
_________________
(١) أى تجعلون تحت رأسى تراب قبرى.
(٢) يساهروه خ ل وكذا في المصدر.
(٣) وروحى بالموت تجذب ومالاحد خ ل وكذا في المصدر وفيه : مالاحد منه مهرب.
(٤) في المصدر : البعيدة الغائبة عنكم.
(٥) في المصدر : لخالدة.