من بلدنا ، وأنا قد شرطت على أبيه إن رزقت منه ولدا يكون عندي ولا يفارقني ، فقال لها المطلب : كان ذلك ، ثم أقبلت على ولدها ، وقالت : يا ولدي خرجت مع عمك وتركتني ، والآن إن أردت أن ترجع معي فارجع ، وإن اخترت عمك فامض راشدا ، فلما سمع كلام امه أطرق إلى الارض ، فقالت له امه : يا بني لم تسكت وأنت طلق اللسان ، جرئ الجنان؟ فوحق أبيك إني لا أمنعك عن شهوتك ، وإن عز علي فراقك يا ولدي ، فرفع رأسه وقد سبقته العبرة فقال : يا اماه أخشى مخالفتك لانه محرم علي عصياني لك ، ولكن احب مجاورة بيت ربي ، وأنظر إلى عمومتي وعشيرتي ، فإن أمرتني بالمسير سرت وإلا رجعت ، فعند ذلك بكت وقالت له : إذا كان كذلك فقد سمحت لك برضى مني ، و قد كنت مستأنسة بغرتك (١) فلا تنسني ، ولا تقطع أخبارك عني ، ثم قبلته وودعته ، وقالت : يابن عبد مناف قد سلمت إليك الوديعة التي استودعنيها أخوك هاشم بالعهد والميثاق ، فاحتفظ بها ، فإذا بلغ ولدي مبالغ الرجال ولم أكن حاضرة فانظروا بمن تزوجونه ، فقال لها المطلب : تكرمت بما فعلت ، وأجملت فيما وصفت (٢) ، ونحن لا ننسى حقك ما حيينا ، ثم عطف عليها يودعها فقالت سلمى : خذوا من هذا الثياب والخيل ما تريدون ، فشكرها المطلب وأردف ابن أخيه وسارا حتى قربا من مكة فأضاءت شعابها (٣) وأنارت الكعبة ، فأقبلت الناس ينظرون إليه ، وإذا هم بالمطلب يحمل ابن أخيه ، فسألوه عنه و قالوا : من هذا يابن عبد مناف الذي قد أضائت به البلاد؟ فقال لهم المطلب : هذا عبدلي ، فقالوا : ما أجمل هذا العبد ، فسموه الناس من ذلك عبدالمطلب ، وأقبل إلى منزله وكتم أمره ، وقد عجبت الناس منه ومن نوره وهم لا يعلمون أنه جد رسول الله (ص) ، ثم إنه ظهرت له (٤) آيات ومعجزات ومناقب ودلالات تدل على النبوة (٥).
_________________
(١) في المصدر : مستأنسة بقربك عمن مضى.
(٢) فيما صنعت خ ل.
(٣) في المصدر : فقال له المطلب : يابن أخى انى كاتم أمرك حتى ارقيك في مرتبة أبيك فدخلا مكة وضاءت شعابها.
(٤) في المصدر : لعبد المطلب.
(٥) هناتم الجزء الثالث وفي المصدر بعد ذلك : الجزء الرابع من كتاب الانوار.