عن قربنا (١) شفقة منا عليك ، فقال لهم : إني اريد الملك ، فقالوا له : إن ملكنا قد أقسم بمعبوده أن لا يترك من قومك أحدا ، فقال لهم عبدالمطلب : إني قد أتيته قاصدا ، فعند ذلك تصارخت القوم وقال بعضهم لبعض : ما رأينا مثل هذا الرجل في الجمال و الكمال إلا أنه ناقص العقل ، نحن نقول : إن ملكنا قد أقسم بمعبوده أن لا يترك أحدا من أهل هذه البلدة ، وهو يقول : لابد لي منه ، قال : فخلوا سبيله فمضى قاصدا إلى الملك ، فأوصلوا خبره إلى الملك ، وقالوا : أيها الملك قد قدم علينا رجل صفته كذا وكذا من أهل مكة ولم يفزع ولم يجزع ، فقال الملك : علي به ، فوحق ما أعتقده من ديني لو سألني أهل الارض ما قبلت فيه سؤالا ، قال : فعند ذلك أقبلوا إلى عبدالمطلب ليأتوا به ، فقال لهم عبدالمطلب : إني قادم إلى الملك بنفسي ، فأمر الملك قومه أن يشهروا السلاح ، وبجردوا السيوف ، وجعل الملك على رأسه تاجا ، وشد عمامته على جبينه ، وأمر سياس الفيل أن يحضروه فأحضروه ، وكان فيهم فيل يقال له : المذموم (٢) ، وكان قد ركبوا على رأسه قرنين من حديد لو نطح جبلا راسيا بهما لالقاه ، وكانوا (٣) قد علقوا على خرطومه سيفين هنديين وعلموه الحرب ، ووقف سياسه من ورائه ، فقال لهم الملك : إذا رأيتموني قد أشرت لكم (٤) عند دخول هذا المكى فأطلقوه عليه حتى يدوسه بكلكله (٥) ، قال : فدخل عليهم عبدالمطلب وهم صفوف ينظرون ما يأمرهم الملك في عبدالمطلب وهم باهتون ، وهو لا يلتفت إلى أحد منهم حتى جاوز أصحاب الفيل ، فأمرهم الملك بإطلاق الفيل فأطلقوه ، فلما قرب من عبدالمطلب برك الفيل إلى الارض وجثا على ركبتيه وسكن ارتجاجه ، وكان قبل ذلك إن أحضره سياسه (٦) على القتال تحمر عيناه ، ويضرب بخرطومه وفيه سيفان ، فلما قرب من عبدالمطلب سكن ولم يفعل شيئا ، فتعجب الملك وأصحابه من ذلك ، وألقى الله
_________________
(١) في المصدر : أن ترد عن قريب ، وأثبته المصنف في الهامش عن نسخة.
(٢) في سيرة ابن هشام سماء المحمود.
(٣) وكان خ ل وفي المصدر : لو نطح جبلا لرماه بهما وكان.
(٤) أشرت إليكم خ ل.
(٥) الكلكل : الصدر.
(٦) في المصدر : اذا أثوابه سياسه. وأطلقوه لقتال.