لما جاز بالعير بعث إلى قريش : قد نجى الله عيركم فارجعوا ودعوا محمدا والعرب ، و ادفعوا بالراح(١) ما اندفع ، وإن لم ترجعوا فردوا القيان ، فلحقهم الرسول في
____________________
الماء فقال المجدى بن عمرو [ وكان على الماء ] ، هل احسست احدا؟ فقال : ما رأيت احدا انكره الا انى رأيت راكبين قد اناخا إلى هذ التل ثم استقيا في شن لهما ثم انطلقا [ كانا هما بسبس بن عمرو وعدى بن أبى الزغباء نزلا بدرا فاستقيا منها ] فأتى أبوسفيان مناخهما فأخذ من ابعار بعيرهما ففته فاذا فيه النوى ، فقال : والله هذه علائف يثرب ، فرجع إلى أصحابه سريعا فضرب وجه عيره عن الطريق فساحل بها ، وترك بدرا بيسار ، وانطلق حتى أسرع ، و اقبلت قريش فلما نزلوا الجحفة رأى جهيم بن الصلت بن مخرمة بن [ عبد ] المطلب بن عبد مناف رؤيا ، فقال : انى رأيت فيما يرى النائم. وأنى لبين النائم واليقظان اذ نظرت إلى رجل قد اقبل على فرس حتى وقف ومعه بعير له ، ثم قال : قتل عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيع وأبوالحكم بن هشام وامية بن خلف ، وفلان وفلان ـ فعدد رجالا ممن قتل يوم بدر من اشراف قريش ـ ثم رأيته ضرب في لبة بعيره ثم أرسله في العسكر ، فما بقى خباء من اخبية العسكر الا اصابه نضخ من دمه ، قال : فبلغت أبا جهل فقال : وهذا أيضا نبى اخر من بنى عبدالمطلب ، سيعلم غدا من المقتول ان نحن التقينا.
قال ابن إسحاق : ولما رأى أبوسفيان أنه قد احرز عيره أرسل إلى قريش : انكم خرجتم لتمنعوا عيركم ورجالكم وأموالكم ، فقد نجاه لله فارجعوا ، فقال أبوجهل بن هشام ، والله لا نرجع حتى نرد بدرا ( وكان بدر موسما من مواسم العرب تجتمع لهم به سوق كل عام ) فنقم عليه ثلاثا ، فننحر الجزر ، ونطعم الطعام ، ونسقى الخمر ، وتعزف علينا القيان ، وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا ، فلا يزالون يهابوننا ابدا بعدها فامضوا.
وقال الاخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثقفى ـ وكان حليفا لبنى زهرة وهم بالجحفة ـ يا بنى زهرة قد نجى الله لكم أموالكم وخلص لكم صاحبكم مخرمة بن نوفل ، وانما نفرتم لتمنعوه وماله ، فاجعلوا بى جبنها وارجعوا ، فانه لا حاجة لكم بان تخرجوا في غير ضيعة ، لا ما يقول هذا ، يعني أبا جهل ، فرجعوا ، فلم يشهدها زهرى واحد ، اطاعوه وكان فيهم مطاعا. ولم يكن بقى من قريش بطن الا وقد نفر منهم ناس الا بنى عدى بن كعب لم يخرج منهم رجل واحد فرجعت بنو زهرة مع الاخنس بن شريق فلم يشهد بدرا من هاتين القبيلتين احد ، و مضى القوم. انتهى اقول : وذكر رجوع طالب بن أبى طالب وسيأتى ذكره.
(١) قال المصنف في الهامش : الراح جمع الراحة ، ولعل المعنى أنكم ان امكنكم دفعه بالاسهل فلا تتعرضوا للاشق ، والراح أيضا الخمر والارتياح ، ولعل الاول أنسب.