فوالله ما عاش إلا سبع ليال حتى رماه الله بالعدسة(١) فقتله ، ولقد تركه ابناه ليلتين أو ثلاثة ما يدفنانه حتى أنتن في بيته ، وكانت قريش تتقي العدسة كما يتقي الناس الطاعون ، حتى قال لهما رجل من قريش : ألا تستحيان أن أبا كما قد أنتن في بيته لا تغيبانه؟ فقالا : إنا نخشى هذه القرحة ، قال : فانطلقا فأنا معكما فما غسلوه إلا قذفا بالماء عليه من بعيد ما يمسونه ، ثم احتملوه فدفنوه بأعلى مكة إلى جدار و قذفوا عليه الحجارة حتى واروه.
وروى مقسم(٢) ، عن ابن عباس قال : كان الذي أسر العباس أبا اليسر كعب بن عمرو أخا بني سلمة ، وكان أبواليسر رجلا مجموعا ، وكان العباس رجلا جسيما ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله لابي اليسر : كيف أسرت العباس يا أبا اليسر؟ فقال : يا رسول الله (ص) لقد أعانني عليه رجل ما رأيته قبل ذلك ولا بعده ، هيئته كذا وكذا ، فقال : لقد أعانك عليه ملك كريم.
« يا أيها الذين آمنوا » قيل : خطاب لاهل بدر ، وقيل : عام « إذا لقيتم الذين كفروا زحفا » أى متدانين لقتالكم « فلا تولوهم الادبار » أي فلا تنهزموا « ومن يولهم يومئذ دبره » أي من يجعل ظهره إليهم يوم القتال ووجهه إلى جهة الانهزام « إلا متحرفا لقتال » أي إلا تاركا موقفا إلى موقف آخر أصلح للقتال من الاول « أو متحيزا إلى فئة » أي منحازا منضما إلى جماعة من المسلمين يريدون العود إلى القتال ليستعين بهم « فقد باء بغضب من الله » أي احتمل غضب الله واستحقه ، وقيل : رجع(٣) به ، ثم نفى سبحانه أن يكون المسلمون قتلوا المشركين يوم بدر فقال : « فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم » وإنما نفى الفعل عمن هو فعله على الحقيقة
____________________
(١) العدسة : بثرة تشبه العدسة تخرج في موضع من الجسد من جنس الطاعون تقتل صاحبها غالبا.
(٢) مقسم بكسر اوله ، ابن بجرة بالضم فسكون ويقال : نجدة بفتح النون ، أبوالقاسم مولى عبدالله بن الحارث ، ويقال له : مولى ابن عباس للزومه له ، مات سنة ١٠١.
(٣) في المصدر ، وقيل : رجع بغضب من الله.