قال ابن عباس : لما رأى أبوسفيان أنه أحرز عيره أرسل إلى قريش أن ارجعوا ، فقال أبوجهل : والله لا نرجع حتى نرد بدرا ـ وكان بدر موسما من مواسم العرب يجتمع لهم بها سوق كل عام ـ فنقيم بها ثلاثا ، وننحر الجزر ، ونطعم الطعام ونسقي الخمور ، وتعزف علينا القيان ، وتسمع بنا العرب ، فلا يزالون يهابوننا أبدا ، فوافوها فسقوا كؤوس المنايا ، وناحت عليهم النوائح « وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم » أي حسنها في نفوسهم ، وذلك أن إبليس حسن لقريش مسيرهم إلى بدر لقتال النبي صلىاللهعليهوآله ، وقال : « لا غالب لكم اليوم من الناس » أي لا يغلبكم أحد من الناس لكثرة عددكم وقوتكم ، « وإني » مع ذلك « جار لكم » أي ناصر لكم ، و دافع عنكم السوء ، وقيل : معناه وإني عاقد لكم عقد الامان من عدوكم « فلما تراءت الفئتان » أي التقت الفرقتان « نكص على عقبيه » أي رجع القهقرى منهزما وراءه « وقال إني برئ منكم إني أرى ما لا ترون » أي رجعت عما كنت ضمنت لكم من الامان والسلامة ، لاني أرى من الملائكة الذين جاؤوا لنصر المسلمين ما لا ترون ، و كان إبليس يعرف الملائكة وهم كانوا لا يعرفونه « إني أخاف الله » أي أخاف عذاب الله على أيدي من أراهم « والله شديد العقاب » لا يطاق عقابه ، وقيل : معناه إني أخاف أن يكون قد حل الوقت الذي انظرت إليه ، فان الملائكة لا ينزلون إلا لقيام الساعة أو للعقاب ، وقال قتادة : كذب عدو الله ما به من مخافة ، ولكنه علم أنه لا قوة له ولا منعة ، وذلك عادة عدو الله لمن أطاعه حتى إذا التقى الحق والباطق أسلمهم ، وتبرأ منهم ، وعلى هذا فيكون قوله : « أرى ما لا ترون » معناه أعلم ما لا تعلمون ، وأخاف الله أن يهلكني فيمن يهلك ، واختلف في ظهور الشيطان يوم بدر كيف كان؟ فقيل : إن قريشا لما أجمعت للمسير ذكرت الذي(١) بينها وبين بني بكر بن عبد مناة(٢) بن كنانة من الحرب ، فكاد ذلك أن يثنيهم ، (٣) فجاء إبليس
____________________
(١) في نسخة : ذكرت التى.
(٢) في المصدر : عبد مناف. والظاهر انه مصحف ولعله من النساخ ، ذكر ابن هشام في السيرة الحرب بين كنانة وقريش وتحاجزهم عند وقعة بدر ، وفيه مثل ما في الكتاب : عند مناة. راجع السيرة ٢ : ٢٤٨.
(٣) أى يصرفهم عن ذلك وفى نسخة يثبطهم. ويقال ثبطه عن الامر أى اثقله واقعده وشغله عنه.