يتمكن الناس من رؤيتهم ويتشبهوا بغيرهم من أنواع الحيوان ، لان أجسامهم من الرقة على ما يمكن ذلك فيها ، وقد وجدنا الانسان يجمع الهواء ويفرقه ويغير صور الاجسام الرخوة ضروبا من التغيير وأعيانها لم تزد ولم تنقص ، وقد استفاض الخبر بأن إبليس تراءى لاهل دار الندوة في صورة شيخ من أهل نجد ، وحضر يوم بدر في سورة سراقة ، وإن جبرئيل عليهالسلام ظهر لاصحاب رسول الله (ص) في صورة دحيه الكلبي ، قال : وغير محال أيضا أن يغير الله صورهم ويكشفها في بعض الاحوال فيراهم الناس لضرب من الامتحان.
« إذ يقول المنافقون » هذا يتعلق بما قبله ، معناه وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم إذ يقول المنافقون وهم الذين يبطنون الكفر ويظهرون الايمان « والذين في قلوبهم مرض » وهم الشاكون في الاسلام مع إظهارهم كلمة الايمان ، وقيل : إنهم فئة(١) من قريش أسلموا بمكة ، واحتبسهم آباؤهم ، فخرجوا مع قريش يوم بدر وهم قيس بن الوليد بن المغيرة ، وعلي بن امية بن خلف ، والعاص بن المنبه(٢) ابن الحجاج ، والحارث بن زمعة ، وأبوقيس بن الفاكه بن المغيرة ، لما رأوا قلة المسلمين قالوا : « غر هؤلاء دينهم » أي غر المسلمين دينهم حتى خرجوا مع قلتهم لاجل دينهم إلى قتال المشركين مع كثرتهم ، ولم يحسنوا النظر لانفسهم حتى اغتروا بقول رسولهم ، فبين الله تعالى أنهم هم المغرورون بقوله : « ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم » أي ومن يسلم لامر الله ويثق به ويرض بفعله وإن قل عددهم فإن الله تعالى ينصرهم على أعدائهم ، وهو عزيز لا يغلب ، فكذلك لا يغلب من يتوكل عليه ، وهو حكيم يضع الامور مواضعها على ما تقتضيه الحكمة « ولو ترى » يا محمد « إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة » أي يقبضون أرواحهم عند الموت « يضربون وجوههم وأدبارهم » يريد إستاههم ، وقيل : وجوههم ما أقبل منهم وأدبارهم ما أدبر منهم ، والمراد يضربون أجسادهم من قدامهم ومن خلفهم ، والمراد
____________________
(١) في المصدر : انهم فتية.
(٢) في المصدر : « منبه » بلا حرف تعريف.