النبي صلىاللهعليهوآله ، وتقدم إلى المسلمين بأن لا يكلمهم أحد منهم ، فهجرهم الناس حتى الصبيان ، وجاءت نسأوهم إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فقلن : يا رسول الله نعتزلهم؟ فقال : لا ولكن لا يقربو كن. فضاقت عليهم المدينة ، فخرجوا إلى رؤوس الجبال ، وكان أهاليهم يجيؤن لهم بالطعام ولا يكلمونهم ، فقال بعضهم لبعض : قد هجرنا الناس ، ولا يكلمنا أحد(١) فهلا نتهاجر نحن أيضا؟ فتقرقوا ولم يجتمع منهم اثنان ، وبقوا على ذلك خمسين يوما يتضرعون إلى الله ويتوبون إليه ، فقبل الله توبتهم ، وأنزل فيهم هذه الآية « حتى إذا ضاقت عليهم الارض بما رحبت » أي برحبها وهذه صفة من بلغ غاية الندم حتى كأنه لا يجد لنفسه مذهبا ، لانه كان نزلت توبة الناس ولم تنزل توبتهم لتشديد المحنة عليهم واستصلاحهم واستصلاح غير هم لئلا يعودوا إلى مثله « وضاقت عليهم أنفسهم » عبارة عن المبالغة في الغم حتى كأنهم لم يجدوا لانفسهم موضعا يخفونها فيه.
وقيل : معنى ضيق أنفسهم صدورهم بالهم الذي حصل لهم فيها « وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه » أي أيقنوا وعملوا أن لا معتصم من الله إلا به « ثم تاب عليهم ليتوبوا » أي سهل الله عليهم التوبة حتى تابوا وقيل : ليعودوا إلى حالتهم الاولى قبل المعصية ، وقيل : أنزل توبة الثلاثة ليتوب المؤمنون من ذنوبهم « ما كان بأهل المدينة » ظاهره خبر ومعناه نهي ، أي ما كان يجوز « ومن حولهم من الاعراب » قيل إنهم مزينة وجهينة وأشجع وغفار وأسلم « أن يتخلفوا عن رسول الله » أي في غزوة تبوك « ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه » أي يطلبوا نفع نفوسهم بتوقيتها دون نفسه وقيل : ولا يرضوا لانفسهم بالحفظ(٢) والدعة ، ورسول الله في الحر والمشقة ، يقال : رغبت بنفسي عن هذا الامر ، أي ترفعت عنه ، بل عليهم أن يجعلوا أنفسهم وقاية للنبي (ص) « ذلك » أي ذلك النهي والزجر عن التخلف « بأنهم لا يصيهم ظمأ » أي عطش « ولا نصب ». ولا تعب في أبدانهم « ولا مخمصة » وهي شدة الجوع « في سبيل الله » أي في طاعته « ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار » أي لا يضعون أقدامهم موضعا يغيظ
____________________
(١) احد منهم خ ل. أقول : يوجد ذلك في المصدر.
(٢) بالخفض خ ل. أقول : يوجد ذلك في المصدر.