ثمّ تساند إلى حائط وجاء عمرو بن حريث (١) بقلّة عليها منديل وقدح فصبّ فيه ماء وقال له : اشرب.
فأخذ كلّما شرب امتلأ القدح دماً من فيه ، ففعل ذلك مرّتين ، فلمّا ذهب في الثالثة ليشرب سقطت ثنيتاه في القدح.
فقال : الحمد لله لو كان لي من الرزق المقسوم شربته.
ثم اُدخل على ابن مرجانة فلم يسلّم عليه.
فقال له الحرس : سلّم على الأمير.
فقال له : اسكت ويحك والله ما هو لي بأمير.
فقال له ابن زياد : إيهاً يا بن عقيل! أتيت الناس وهم جميع ، فشتّت بينهم ، وفرّقت كلمتهم ، وحملت بعضهم على بعض.
قال : كلاّ لست لذلك أتيت ، ولكن أهل المصر زعموا أن أباك قتل خيارهم ، وسفك دماءهم ، وعمل فيهم أعمال كسرى وقيصر ، فأتيناهم لنأمر بالعدل ، وندعوا إلى حكم الكتاب.
فقال ابن زياد : وما أنت وذاك ، ثم قال عليه اللعنة : يا فاسق إن نفسك تمنيك ما حال الله دونه ولم يرك له أهلاً.
فقال مسلم : من أهله إذا لم نكن نحن أهله؟
فقال ابن زياد : أهله أمير المؤمنين يزيد.
__________________
١ ـ عمرو بن حريث بن عمرو بن عثمان بن عبد الله المخزومي ، روى عن أبي بكر وابن مسعود ، وروى عنه ابنه جعفر والحسن العرني والمغيرة بن سبيع وغيرهم ، كانت داره مأوى لأعداء أهل البيت ، ولي الكوفة لزياد بن أبيه ولابنه عبيد الله ، مات سنة ٨٥ هـ.
انظر : سير اعلام النبلاء ٣ : ٤١٧ ـ ٤١٩ ، الأعلام ٥ : ٧٦.