فقعدوا سبعة عن يمين العقبة وسبعة عن يسارها لينفروا ناقة رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فلما جن الليل تقدم رسول الله صلىاللهعليهوآله في تلك الليلة العسكر ، فأقبل ينعس (١) على ناقته ، فلما دنا من العقبة ناداه جبرئيل : يا محمد إن فلانا وفلانا وفلانا قد قعدوا لك ، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : من هذا خلفي؟ فقال خديفة بن اليمان : أنا حديفة بن اليمان يا رسول الله، قال : سمعت ما سمعت؟ قال : بلى ، قال : فاكتم ، ثم دنا رسول الله صلىاللهعليهوآله منهم فناداهم بأسمائهم ، فلما سمعوا نداء رسول الله فروا (٢) ودخلوا في غمار الناس (٣) ، وقد كانوا عقلوا رواحلهم فتركوها ، ولحق الناس برسول الله صلىاللهعليهوآله وطلبوهم ، وانتهى رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى رواحلهم فعرفها ، فلما نزل قال : ما بال أقوام تحالفوا في الكعبة إن أمات الله محمدا أو قتله (٤) أن لايردوا هذا الامر في أهل بيته أبدا؟ فجاوؤا إلى رسول الله فحلفوا أنهم لم يقولوا من ذلك شيئا ولم يريدوه ولم يهموا بشئ من رسول الله صلىاللهعليهوآله! فأنزل الله « يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا » (٥) من قتل رسول الله صلىاللهعليهوآله « وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله فإن يتوبوايك خيرا لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا والآخرة ومالهم في الارض من ولي ولا نصير (٦) » فرجع رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى المدينة وبقي بها المحرم والنصف من صفر لا يشتكي شيئا ، ثم ابتدأ به الوجع الذي توفي فيه صلىاللهعليهوآله (٧).
توضيح : قال الجزري : في الحديث « ألا إن كل دم ومأثره كانت في الجاهلية فإنها تحت قدمي هاتين » مآثر العرب : مكارمها ومفاخرها التي تؤثر عنها أي تروى وتذكر ، (٨) أراد إخفاءها وإعدامها وإذلال أمر الجاهلية ونقض سنتها. وقال : فلا أنتعش
____________________
(١) نعس الرجل : اخذته فترة في حواسه فقارب النوم.
(٢) في المصدر : مروا.
(٣) الغمار ـ بضم الغين وفتحها ـ جماعة الناس ولفيفهم.
(٤) في المصدر : ان مات محمد او قتل.
(٥ و ٦) سورة التوبة : ٧٤.
(٧) تفسير القمى : ١٥٩ ـ ١٦٢.
(٨) النهاية ١ : ١٦.