إثباتها له ، وإنما استدلوا بكيفية ماجرى في الحال على ذلك لانه لايجوز أن يغضب من فرار من فر وينكره ثم يقول : إني أدفع الراية إلى من عنده كذا وكذا وذلك عند من تقدم ، ألا ترى أن بعض الملوك لو أرسل رسولا إلى غيره ففرط في أداء رسالته وحرفها ولم يوردها (١) على حقها فغضب لذلك وأنكر فعله وقال : « لارسلن رسولا حسن القيام بأداء رسالتي مضطلعا (٢) بها لكنا نعلم (٣) أن الذي أثبته منفي عن الاول؟ وقال : كما انتفي عمن تقدم فتح الحصن على أيديهم وعدم فرارهم كذلك يجب أن ينتفي سائر ما أثبت له ، لان الكل خرج مخرجا واحدا أورد على طريقة واحدة انتهى.
أقول : لايخفي متانة هذا الكلام على من راجع وجدانه وجانب تعسفه و عدوانه ، فيلزم منه عدم كون الشخصين محببين لله ولرسوله ومن لم يحبهما فقد ابغضهما ومن ابغضهما فقد كفر ، ويلزم منه ان لا يحبهما الله ورسوله ، ولا ريب في أن من كان مؤمنا صالحا يحبه الله ورسوله ، بل يكفي الايمان في ذلك وقد قال تعالى : « والذين آمنوا أشد حبا لله (٤) » وقال : « قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله (٥) » ويلزم منه أن لايقبل الله منهما شيئا من الطاعات لان الله تعالى يقول « إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا (٦) » « إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين (٧) » فلو كان الله تعالى قبل منهما الجهاد لكان يحبهما ، ولو كان قبل منهما توبتهما عن الشرك لكان يحبهما ، ولو كانا متطهرين لكان يحبهما ويلزم أن لايكونا من الصابرين
____________________
(١) في المصدر : ولم يؤدها.
(٢) اضطلع تحملة : نهض به وقوى عليه.
(٣) جواب قوله : « ألا ترى ».
(٤) سورة البقرة : ١٦٥.
(٥) سورة آل عمران : ٣١.
(٦) سورة الصف : ٤.
(٧) سورة البقرة : ٢٢٢.