فالمولود فيها إذا كان في حجره وهو المتولي لتربيته مولود في أيام كأيام النبوة وليس بمولود في جاهلية محضة ، ففارقت حاله حال من يدعى له من الصحابة مماثلته في الفضل ، وقد روي أن السنة التي ولد فيها هذه السنة التي بدئ فيها رسول الله صلىاللهعليهوآله فأسمع الهتاف من الاحجار والاشجار وكشف عن بصره ، فشاهد أنوارا وأشخاصا ولم يخاطب منها (١) بشئ ، وهذه السنة هي السنة التي ابتدأ فيها بالتبتل والانقطاع والعزلة في جبل حراء ، فلم يزل به حتى كوشف بالرسالة وأنزل عليه الوحي ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله يتيمن بتلك السنة وبولادة علي عليهالسلام فيها ، ويسميها سنة الخير وسنة البركة ، وقال لاهله ليلة ولادته وفيها شاهد ما شاهد من الكرامات والقدرة الالهية ولم يكن من قبلها شاهد من ذلك شيئا : « لقد ولد لنا (٢) مولود يفتح الله علينا به أبوابا كثيرة من النعمة والرحمة » وكان كما قال صلوات الله عليه ، فإنه كان ناصره والمحامي عنه وكاشف الغم عن وجهه ، وبسيفه ثبت دين الاسلام ورست (٣) دعائمه وتمهدت قواعده.
وفي المسألة تفصيل آخر وهو أن يعني بقوله : « فإني ولدت على الفطرة » التي لم تتغير ولم تحل ، وذلك أن معنى قول النبي صلىاللهعليهوآله : « كل مولود يولد على الفطرة » أن كل مولود فإن الله تعالى قد هيأه بالعقل الذي خلقه فيه وبصحة الحواس والمشاعر لان يتعلم التوحيد والعدل ، ولم يجعل فيه مانعا يمنعه من ذلك ولكن التربية والعقيدة في الوالدين والالف لاعتقادهما وحسن الظن فيهما يصده عما فطر عليه ، وأمير المؤمنين عليهالسلام دون غيره ولد على الفطرة التي لم تحل ولم يصد عن مقتضاها مانع لامن جانب الابوين ولامن جهة غيرهما ، وغيره ولد على الفطرة ولكنه حال عن مقتضاها وزال عن موجبها.
____________________
(١) في المصدر : ولم يخاطب فيها.
(٢) في المصدر : لقد ولد لنا الليلة.
(٣) رسا الشئ وأرسى : ثبت ورسخ.