ثانية وقال : أنا له يارسول الله ، فأمره بالجلوس ، فجال عمرو بفرسه مقبلا ومدبرا إذ جاءت (١) عظماء الاحزاب فوقفت من وراء الخندق ومدت أعناقها تنظر ، فلما رأى عمرو أن أحدا لايجيبه قال :
ولقد بححت من النداء بجمعهم هل من مبارز |
|
ووقفت إذ جبن الشجاع موقف القرن المناجز (٢) |
إني كذلك لم أزل متسرعا قبل الهزاهز (٣) |
|
إن الشجاعة في الفتى والجود من خير الغرائز |
فقام علي عليهالسلام فقال : يارسول الله ائذن لي في مبارزته ، فقال : ادن ، فدنا فقلده سيفه وعممه بعمامته وقال : امض لشأنك ، فلما انصرف قال : اللهم أعنه عليه فلما قرب منه قال له مجيبا إياه من شعره :
لاتعجلن فقد أتاك مجيب صوتك غير عاجز |
|
ذو نية وبصيرة يرجو بذاك نجاة فائز |
إني لآمل أن أقيم عليك نائحة الجنائز |
|
من ضربة فوهاء يبقى ذكرها عند الهزاهز (٤) |
فقال عمرو : من أنت؟ وكان عمرو شيخا كبيرا قد جاوز الثمانين وكان نديم أبي طالب في الجاهلية فانتسب علي عليهالسلام له وقال : أنا ابن أبي طالب ، فقال :
أجل ، لقد كان أبوك نديما لي وصديقا ، فارجع فإني لا أحب أن أقتلك كان شيخنا أبو الخير مصدق بن شبيب النحوي يقول : إذا مررنا في القراءة عليه بهذا الموضع :
والله ما أمره بالرجوع إبقاءا عليه بل خوفا منه! فقد عرف قتلاه ببدر وأحد وعلم أنه إن ناهضه قتله ، ( فاستحيا )؟ أن يظهر الفشل فاظهر الابقاء والارعاء وإنه لكاذب فيها قالوا : فقال له علي عليهالسلام : لكني أحب أن أقتلك : فقال : يا ابن أخي
____________________
(١) في المصدر : وجاءت.
(٢) المناجز : المبارز.
(٣) الهزائز : الحروب والشدائد.
(٤) الفوه محركة : سعة الفم.