فجعلوا يعتذرون بما لا عذر لهم فيه ، فكتب الحسن من فوره ذلك إلى معاوية : أما بعد فان خطبي انتهى إلى اليأس من حق احييه وباطل اميته ، وخطبك خطب من انتهى إلى مراده ، وإنني أعتزل هذا الامر ، واخليه لك ، وإن كان تخليتي إياه شرا لك في معادك ، ولي شروط أشترطها ، لا تبهظنك إن وفيت لي بها بعهد ولا تخف إن غدرت وكتب الشروط في كتاب آخر فيه يمنيه بالوفاء ، وترك الغدر وستندم يا معاوية كما ندم غيرك ممن نهض في الباطل ، أو قعد عن الحق حين لم ينفع الندم ، والسلام.
فان قال قائل : من هو النادم الناهض؟ والنادم القاعد؟ قلنا : هذا الزبير ذكره أمير المؤمنين صلوات الله عليه : ما أيقن بخطاء ما أتاه ، وباطل ما قضاه. وبتأويل ما عزاه ، فرجع عنه القهقرى ، ولو وفا بما كان في بيعته لمحانكثه ، ولكنه أبان ظاهرا الندم والسريرة إلى عالمها.
وهذا عبدالله بن عمر بن الخطاب ، روى أصحاب الاثر في فضائله أنه قال : مهما آسا عليه من شئ فاني لا آسا على شئ أسفي على أني لم اقاتل الفئة الباغية مع علي. (١) فهذا ندم القاعد.
وهذه عائشة روى الرواة أنها لما أنبها مؤنب فيما أتته ، قالت : قضي القضاء وجفت الاقلام ، والله لو كان لي من رسول الله صلىاللهعليهوآله عشرون ذكرا كلهم مثل عبدالرحمن بن الحارث بن هشام فثكلتهم بموت وقتل ، كان أيسر علي من خروجي على علي ، ومسعاي التي سعيت ، فالى الله شكواي لا إلى غيره (٢).
وهذا سعد بن أبي وقاص لما انهى إليه أن عليا صلوات الله عليه قتل ذا الثدية أخذه ما قدم وما أخر ، وقلق ونزق ، وقال : والله لو علمت أن ذلك كذلك
____________________
(١) تراه في الاستيعاب لابن عبدالبر المالكى بذيل الاصابة ج ٢ ص ٣٣٧ ، بألفاظ مختلفة وفى بعضها أنه قال ذلك حين حضرته الوفاة.
(٢) روى مثله ابوالفرج الاصبهانى في كتاب مرج البحرين على ما نقله في تذكرة الخواص ص ٦١.