يريد أن من حكمه (١) حكم هوازن الذين صاروا فيئا للمهاجرين والانصار فهؤلاء طلقاء المهاجرين والانصار بحكم إسعافهم النبي فيئهم لموضع رضاعه (٢)
____________________
صغيرا لم يبلغ الحلم جازلهم استرقاقه وهكذا اطلاقه منا أو فداء.
لكن المراد بالمفاء في هذا الحديث : الذى صار طليقا بالمن عليه ، صغيرا كان أو كبيرا ، فحيث كان المسلمون حاكمين على نفسه بالقتل أو الاسترقاق ولم يفعلوا ذلك ، بل تكرموا ومنوا عليه بالاطلاق ، ثبت لهم ولاية ذلك كما في ولاء العتق ، فلم يكن له أن يأمر ولا أن ينهى ولا أن يتأمر على المسلمين قضاء لحقوق تلك الولاية.
ووجه ذلك أن المسلمين هم الذين أعطوه ووهبوا له آثار الحياة والحرية ، بحيث صار يأمر وينهى لنفسه ، يذهب ويجئ حيث يشاء ، فلو صار يأمر وينهى المسلمين ، ويتأمر عليهم ، انتقض عليه ذلك وكان كعبد يتحكم على مولاه.
هذا مرمى قوله صلىاللهعليهوآله : « لا يلين مفاء على مفيئ » أى لا يكون الطليق أميرا على المسلمين أبدا ، ولو تأمر عليهم لكان غاصبا لحق الامارة ، ظالما لهم بحكم الشرع والعقل والاعتبار ، فحيث كان معوية طليقا لم يكن له أن يتأمر على المسلمين.
(١) الضمير في « حكمه » يرجع إلى الفيئ ، أى من أحكام الفيئ حكم أسرى هوازن الذين صاروا فيئا للمهاجرين والانصار يوم حنين.
(٢) أتى رسول الله وفد هوازن بالجعرانة وكان مع رسول الله صلىاللهعليهوآله من سبى هوازن ستة آلاف من الذرارى والنساء ، ومن الابل والشاء ما لا يدرى ما عدته فقالوا : يا رسول الله انا أصل وعشيرة وقد أصابنا من البلاء مالم يخف عليك فامنن علينا من الله عليك وقام رجل من بنى سعد بن بكر يقال له زهير. فقال : يا رسول الله! انما في الحظائر عماتك وخالاتك وحواضنك اللاتى كن يكفلنك ، ولو أنا ملحنا للحارث بن أبى شمر ، أو للنعمان بن المنذر ، ثم نزل منا بمثل الذى نزلت به ، رجونا عطفه وعائدته علينا ، وأنت خير المكفولين.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله بعد كلام : أما ما كان لى ولبنى عبدالمطلب فهو لكم فقال المهاجرون : وما كان لنا فهو لرسول الله ، وقالت الانصار : وما كان لنا فهو لرسول الله. راجع سيرة ابن هشام ج ٢ ص ٤٨٨.