عفت الديار ، ومحبت الآثار ، وقل الاصطبار ، فلا قرار على همزات الشياطين وحكم الخائنين ، الساعة والله صحت البراهين ، وفصلت الآيات ، وبانت المشكلات ، ولقد كنا نتوقع تمام هذه الآية تأويلها قال الله عزوجل : « وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين » (١).
فلق مات والله جدي رسول الله (ص) وقتل أبي عليهالسلام وصاح الوسواس الخناس في قلوب الناس ، ونعق ناعق الفتنة ، وخالفتم السنة ، فيالها من فتنة صماء عمياء ، لا يسمع لداعيها ، ولا يجاب مناديها ، ولا يخالف واليها ، ظهرت كلمة النفاق ، وسيرت رايات أهل الشقاق ، وتكالبت جيوش أهل المراق ، من الشام والعراق ، هلموا رحمكم الله إلى الافتتاح ، والنور الوضاح ، والعلم الجحجاح ، والنور الذي لا يطفى والحق الذي لا يخفى.
أيها الناس تيقظوا من رقدة الغفلة ، ومن تكاثف الظلمة ، فو الذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، وتردى بالعظمة ، لئن قام إلي منكم عصبة بقلوب صافية ، ونيات مخلصة ، لا يكون فيها شوب نفاق ، ولا نية افتراق لاجاهدن بالسيف قدما قدما ولاضيقن من السيوف جوانبها ، ومن الرماح أطرافها ، ومن الخيل سنابكها فتكلموا رحمكم الله.
فكأنما الجموا بلجام الصمت عن إجابة الدعوة إلا عشرون رجلا فانهم قاموا إلي فقالوا : يا ابن رسول الله ما نملك إلا أنفسنا وسيوفنا ، فها نحن بين يديك لامرك طائعون ، وعن رأيك صادرون ، فمرنا بما شئت ، فنظرت يمنة ويسرة ، فلم أر أحدا غيرهم.
فقلت : لي اسوة بجدي رسول الله (ص) حين عبدالله سرا ، وهو يومئذ في تسعة وثلاثين رجلا ، فلما أكمل الله له الاربعين صار في عدة وأظهر أمر الله فلو كان معي عدتهم جاهدت في الله حق جهاده.
____________________
(١) آل عمران : ١٤٤.