دينار (١) فلما أن دخلنا مكة رأينا الماء ضيقا ، وقد اشتد بالناس العطش لقلة الغيث ففزع إلينا أهل مكة والحجاج يسألونا أن نستسقي لهم ، فأتينا الكعبة وطفنا بها ثم سألنا الله خاضعين متضرعين بها ، فمنعنا الاجابة ، فبينما نحن كذلك إذا نحن بفتى قد أقبل قد أكربته أحزانه ، وأقلقته أشجانه ، فطاف بالكعبة أشواطا ، ثم أقبل علينا فقال : يا مالك بن دينار ، ويا ثبات البناني ، ويا أيوب السجستاني ، ويا صالح المري ، ويا عتبة الغلام ، ويا حبيب الفارسي ، وياسعد ، وياعمر ، ويا صالح الاعمى ويارابعة ، ويا سعدانة ، وياجعفر بن سليمان ، فقلنا : لبيك وسعديك يافتى فقال : أما فيكم أحد يحبه الرحمان؟ فقلنا : يا فتى علينا الدعاء وعليه الاجابة ، فقال : ابعدوا من الكعبة ، فلو كان فيكم أحد يحبه الرحمان لاجابه ، ثم أتى الكعبة فخر ساجدا فسمعته يقول في سجوده : سيدي بحبك لي إلا سقيتهم الغيث ، قال : فما استتم الكلام حتى أتاهم الغيث كأفواه القرب ، فقلت يا فتى : من أين علمت أنه يحبك؟ قال : لو لم يحبني لم يستزرني ، فلما استزارني علمت أنه يحبني فسألته بحبه لي فأجابني ثم ولى عنا وأنشأ يقول :
من عرف الرب فلم تغنه |
|
معرفة الرب فذاك الشقي |
ما ضر في الطاعة ما ناله |
|
في طاعة الله وماذا لقي |
ما يصنع العبد بغيرالتقى |
|
والعز كل العز لمتقي |
فقلت : يا أهل مكة من هذا الفتى؟ قالوا : علي بن الحسين عليهماالسلام ابن علي
____________________
ساكنى البصرة ، كان صاحب المكرمات ، مجاب الدعوات وكان سبب اقباله على الاجلة وا؟ تقاله عن العاجلة ، حضوره مجلس الحسن بن أبى الحسن فوقعت موعظته من قلبه ..
وتصدق بأربعين ألفا في أربع دفعات.
(١) مالك بن دينار أبويحيى وصفه أبونعيم في الحليلة بقوله : العارف النظار ، الخائف الجبار .. كان لشهوات الدنيا تاركا ، وللنفس عند غلبتها مالكا. وقد اطال في ذكره ج ٢ من ص ٣٥٧ إلى ص ٣٨٩.