الْخاسِرُونَ » (١) قرأت على أمير المؤمنين السلام ورحمة الله وبركاته ثم أقبل على صلاته وانصرف إلى توجهه.
فقلت : هل بعد السلام من مستعتب عليه أو إجابة فقال نعم قل له : « أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى وَأَعْطى قَلِيلاً وَأَكْدى أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى أَلاَّ تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاَّ ما سَعى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى » (٢) إنا والله يا أمير المؤمنين قد خفناك وخافت لخوفنا النسوة اللاتي أنت أعلم بهن ولا بد لنا من الإيضاح به فإن كففت وإلا أجرينا اسمك على الله عز وجل في كل يوم خمس مرات وأنت حدثتنا عن أبيك عن جدك أن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال أربع دعوات لا يحجبن عن الله تعالى دعاء الوالد لولده والأخ بظهر الغيب لأخيه والمظلوم والمخلص.
قال الربيع : فما استتم الكلام حتى أتت رسل المنصور تقفو أثري وتعلم خبري فرجعت وأخبرته بما كان فبكى ثم قال ارجع إليه وقل له الأمر في لقائك إليك والجلوس عنا وأما النسوة اللاتي ذكرتهن فعليهن السلام فقد آمن الله روعهن وجلا همهن قال فرجعت إليه فأخبرته بما قال المنصور فقال قل له وصلت رحما وجزيت خيرا ثم اغرورقت عيناه حتى قطر من الدمع في حجره قطرات ثم قال يا ربيع إن هذه الدنيا وإن أمتعت ببهجتها وغرت بزبرجها فإن آخرها لا يعدو أن يكون كآخر الربيع الذي يروق بخضرته.
ثم يهيج عند انتهاء مدته وعلى من نصح لنفسه وعرف حق ما عليه وله أن ينظر إليها نظر من عقل عن ربه جل وعلا وحذر سوء منقلبه فإن هذه الدنيا قد خدعت قوما فارقوها أسرع ما كانوا إليها وأكثر ما كانوا اغتباطا بها طرقتهم آجالهم « بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ » أو « ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ » فكيف أخرجوا عنها وإلى ما صاروا بعدها أعقبتهم الألم وأورثتهم الندم وجرعتهم مر المذاق وغصصتهم بكأس الفراق
__________________
(١) سورة الأعراف الآية : ٩٧ ـ ٩٩.
(٢) سورة النجم الآية : ٣٣ ـ ٤٠.