الثالثة ، وهي عكس الصورة الأُولى.
وهذه الصورة الثالثة لو أبقيناها على ظاهرها من الاختلاف بحسب الزمان في القيام ، فكان متعلّق اليقين هو قيام أمس ومتعلّق الشكّ هو قيام اليوم ، لم يكن الشكّ فيها هادماً وناقضاً لليقين لاختلاف متعلّقهما ، فكما لا تكون مورداً لقاعدة اليقين فكذلك لا تكون مورداً للاستصحاب ، ولو جرّدنا متعلّق الشكّ فيها عن الزمان وأخذنا نفس القيام متعلّقاً لكلّ من اليقين والشكّ الحاصلين في هذا اليوم ، كان راجعاً إلى الصورة الأُولى التي قلنا إنّه لا يعقل اجتماع كلّ من اليقين والشكّ في آن واحد مع فرض وحدة متعلّقهما ، لكن إذا نظرنا إلى صحاح زرارة رأيناها قد طبّقت « لا تنقض اليقين بالشكّ » على مثل هذه الصورة التي كان زمان اليقين والشكّ فيها واحداً ، وكان الاختلاف فيها بالزمان في ناحية المتعلّق فقط.
ومن ذلك يظهر لك التأمّل فيما في الكفاية (١) من تصحيح النقض بتجريد المتعلّق ، مضافاً إلى أنّه مع التجريد لا وجه لكون الشكّ ناقضاً وجداناً لليقين ، فلِمَ لا نقول إنّ اليقين ناقض وجداناً للشكّ ، فلم يبق إلاّدعوى كون كلّ منهما ناقضاً وجداناً للآخر ، مع نهي الشارع عن نقض اليقين بالشكّ ، فيتعيّن نقض اليقين للشكّ ، فتأمّل.
والجواب عن هذا الإشكال هو أن يقال : إنّه ليس المسوّغ لاجتماع اليقين والشكّ في زمان واحد هو اختلاف المتعلّق في الزمان ، بأن يكون المتيقّن هو قيام زيد بالأمس والمشكوك هو قيام زيد اليوم ، مع فرض تخلّل العدم بين القيامين ، وإلاّ لم يكن من الاستصحاب في شيء ، كما أنّه لم يكن من باب قاعدة اليقين ، أمّا الثاني فواضح ، وأمّا الأوّل فلأنّ الشكّ في الاستصحاب لم يتعلّق بقيام زيد اليوم
__________________
(١) كفاية الأُصول : ٣٩٠ ـ ٣٩١.