العرف يرى أنّ الأثر لاحق لذي الواسطة لدقّة توسّط تلك الواسطة ، كما في مثل توسّط السريان في تنجّس الملاقي ، فإنّ العرف يرى أنّ التنجيس مترتّب على الملاقاة مع الرطوبة ، ولا يلتفت إلى مدخلية السريان المذكور. ومعنى جلاء الواسطة هو وضوح اللزوم بينها وبين ذي الواسطة على وجه يرى العرف أنّ أحدهما عين الآخر ، وأنّ الأثر اللاحق لأحدهما لاحق للآخر ، وقد مثّل لذلك في حاشيته على الرسائل بالأُبوّة والبنوّة (١) ، ومن الواضح أنّ هذين الدعويين لا يجريان في جميع الأُصول المثبتة ، فإنّه لم يتوهّم أحد في مثل الحياة ونبات اللحية مثلاً أنّ مدخلية نبات اللحية في وجوب التصدّق مدخلية خفية على وجه لا يلتفت إليها العرف ، ويعدّون وجوب التصدّق لاحقاً لنفس الحياة ، كما أنّه لم يتوهّم أحد أنّ الملازمة بينهما هي نظير الملازمة بين الزوجية والانقسام بمتساويين في الجلاء والوضوح على وجه يكون الأثر اللاحق لنبات اللحية لاحقاً للحياة.
قوله : فإن قلنا بالأوّل فالمثال يندرج في باب الموضوعات المركّبة المحرزة بعض أجزائها بالوجدان والآخر بالأصل ـ إلى قوله ـ فإنّ المفروض أنّ الحكم بنجاسة الطاهر مترتّب على نفس ملاقاته للنجس الرطب ، فباستصحاب بقاء الرطوبة في الجسم النجس يحرز أحد جزأي الموضوع والجزء الآخر وهو المماسة محرز بالوجدان ... الخ (٢).
لا يخفى أنّا لو قلنا بكفاية الرطوبة في النجس ولم نعتبر السريان ، لم يكن استصحابها بمفاد كان التامّة محرزاً لموضوع التنجّس ، سواء قلنا إنّه ملاقاة الطاهر
__________________
(١) حاشية كتاب فرائد الأُصول : ٢١٣.
(٢) فوائد الأُصول ٤ : ٤٩٦.