وهذا بخلاف الدم المردّد بين كونه من الإنسان أو من البق بعد أن كان كلّ من الدمين مسبوقاً بالنجاسة ، فإنّه لا يجري فيه استصحاب النجاسة السابقة على طروّ المطهّر وهو الانتقال إلى البق ، لأنّه على تقدير كونه من البق وأنّه تطهر عندما خرج من بدن الإنسان ودخل في جوف البقة على وجه صار يعدّ جزءاً منها ، لا يكون إلاّمن قبيل الاستحالة ، وحينئذ فمع التردّد المذكور لا يكون استصحاب النجاسة التي كانت متحقّقة له عندما كان في بدن الإنسان جارياً فيه ، لما عرفت من أنّه على تقدير كونه من البق يكون قد استحال من دم الإنسان إلى دم البق ، فهذا الدم المردّد لا يمكننا الحكم ببقاء نجاسته بالاستصحاب ، لأنّه حينئذ من قبيل عدم إحراز الموضوع ، فيكون عدم جريان الاستصحاب فيه من هذه الجهة ، لا من جهة عدم اتّصال زمان الشكّ بزمان اليقين.
ولعلّه لأجل ذلك أطلق في العروة قوله : فإذا رأى في ثوبه دماً لا يدري أنّه منه أو من البق أو البرغوث يحكم بالطهارة (١) فإنه شامل لما إذا كان منه على تقدير كونه من البق ، مع أنّه ممّن يجري الاستصحاب في الدم المردّد بين المسفوح والمتخلّف ، فراجع.
اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ المستصحب هو الموضوع ، وهو كون هذا الدم الذي على الثوب دم إنسان وأنّه لم يتبدّل إلى دم البق ، بعد العلم بأنّ ما امتصّه البق قد تبدّل ، وحينئذ يشكل الأمر في إطلاق عبارة العروة ، خصوصاً في البرغوث الذي لا يكون دمه إلاّمن دم صاحب الثوب.
ثمّ لا يخفى أنّ الدم المردّد بين كونه من المسفوح أو من الباقي إنّما يجري
__________________
(١) العروة الوثقى ( مع تعليقات عدّة من الفقهاء ) ١ : ١٣٨ مسألة ٧.