الثانية : أنّ الاباحة التي هي أحد الأحكام الخمسة هي في قبال كلّ واحد منها فتكون حكماً ثبوتياً ، وهو عبارة عن تساوي الطرفين ، سواء قلنا بأنّها اقتضائية أو قلنا بأنّها غير اقتضائية ، بمعنى أنّ الحكم بتساوي الطرفين هل هو ناش عن مقتض يقتضي ذلك التساوي ، أو أنّه ناش عن عدم ما يقتضي ترجيح أحد الطرفين على الآخر. وعلى كلّ حال ، فليست هي إلاّعبارة عن الحكم بتساوي الطرفين ، فليست هي أمراً عدمياً لتكون عبارة عن عدم كلّ واحد من الأحكام الأربعة الباقية ، فليست الاباحة عبارة عن عدم الحرمة مثلاً ، بل هي حكم ثبوتي مضاد للأحكام الباقية ، كما أنّ كلّ واحد من تلك الأحكام مضاد لكل واحد من باقيها.
الثالثة : أنّ عدم الحكم وإن لم يكن بنفسه حكماً شرعياً ، إلاّ أنّه قابل للتعبّد الشرعي ، ولو باعتبار كونه بيد الشارع الناشئ عن كون وجود ذلك الحكم بيده ، فيكون عدمه بيده أيضاً ، وإلاّ لكان نفس الحكم غير اختياري له ، إلاّ أنّ ذلك ـ أعني قابليته للتعبّد الشرعي ـ إنّما هو فيما لو جرى الأصل في نفس عدم الحكم ، كما في استصحاب عدم الوجوب مثلاً ، أو استصحاب عدم الحرمة ، أمّا إذا كان المستصحب هو نفس الحكم ، فلا يكون ذلك الاستصحاب موجباً للتعبّد بعدم غيره من الأحكام ، فلا يكون استصحاب الوجوب والتعبّد ببقائه موجباً للتعبّد بعدم الحرمة مثلاً ، فإنّ عدمها وإن كان أثراً شرعياً بالاعتبار المتقدّم ، إلاّ أنّ ترتّبه على استصحاب الوجوب لمّا لم يكن شرعياً ، بل كان بالملازمة العقلية الناشئة عن كون وجود أحد الضدّين ملازماً لعدم الضدّ الآخر ، لم يمكن الحكم بترتّبه على استصحاب الوجوب إلاّبالأصل المثبت.
بل يمكن أن يقال : إنّ عدم الحرمة في مورد استصحاب الوجوب مثلاً ليس