بأثر شرعي ولو بذلك المعنى المتقدّم ، لما هو واضح من أنّه لا يمكنه الحكم بالحرمة في ظرف حكمه بالوجوب ، فلا يكون عدم الحرمة في ذلك الظرف بيد الشارع بل يكون قهرياً عليه.
وحينئذ فلو قلنا بأنّ الحلّية هي أحد الأحكام فكانت ضدّاً لباقيها ، لم يكن استصحاب الحرمة قاضياً بالتعبّد بعدمها بذلك المعنى الثبوتي ، نعم لو قلنا بأنّها عبارة عن أمر عدمي ، يعني عدم الأحكام الأربعة أو عدم خصوص الحرمة ، لكان استصحاب بقاء الحرمة قاضياً بعدمها ، بل كان استصحاب وجود الحرمة عين استصحاب عدم تلك الاباحة التي هي عدم الحرمة ، فإنّ وجود الحرمة عبارة أُخرى عن عدم عدمها.
إذا عرفت ذلك فنقول : قال الشيخ قدسسره في الجواب عن إشكال معارضة استصحاب الحرمة التعليقية باستصحاب الاباحة قبل الغليان ما هذا لفظه : والثاني ( يعني إشكال المعارضة ) فاسد ، لحكومة استصحاب الحرمة على تقدير الغليان على استصحاب الاباحة قبل الغليان (١). ولم يبيّن الوجه في هذه الحكومة ، فإن كانت الحلّية المستصحبة هي عبارة عن عدم الحكم ، بمعنى أنّ العنب قبل الغليان لا حكم له حتّى الاباحة التي هي عبارة عن الحكم بتساوي الطرفين ، اتّجهت الحكومة ، لكنّه فرض لا واقعية له ، إذ لا يخلو الشيء من أحد الأحكام الخمسة. وإن كانت الحلّية عبارة عن أحد الأحكام الأربعة ـ أعني ما عدا الحرمة من الأحكام الخمسة ـ لم يكن وجه للحكومة المذكورة ، إذ لا يكون عدم الحرمة بهذا المعنى نقيضاً لها ، بل يرجع إلى أحد الأضداد الوجودية. وإن كان المراد بالحلّية هي الاباحة الثبوتية التي هي ضدّ الحرمة ، كانت المعارضة أوضح ، لأنّ استصحاب
__________________
(١) فرائد الأُصول ٣ : ٢٢٣.