الحرمة لا يقتضي التعبّد بعدم هذه الاباحة إلاّعلى الأصل المثبت ، الذي يكون مرجعه إلى أنّ التعبّد بأحد الضدّين يكون موجباً للحكم بعدم الضدّ الآخر ، ولو اقتضاه لقلنا إنّ التعبّد بالاباحة المذكورة يكون موجباً للحكم بعدم الحرمة.
ولا يخفى أنّ مورد كلام الشيخ قدسسره وإن كان هو استصحاب الحرمة والنجاسة المعلّقتين على الغليان ، إلاّ أنّه لمّا لم يكن كلامه ظاهراً في أنّ خصوصية التعليق هي مدرك الحكومة ، كان اللازم من كلامه هو أنّ استصحاب الحرمة مطلقاً حاكم على استصحاب الحلّية ، وكذا استصحاب النجاسة بالنسبة إلى استصحاب الطهارة فيرد عليه أنّه يلزمه أن يقول بالحكومة في مورد تعاقب الحالتين الحلّية والحرمة والطهارة والنجاسة.
أمّا ما أفاده صاحب الكفاية قدسسره بقوله : فالغليان في المثال كما كان شرطاً للحرمة كان غاية للحلّية ، فإذا شكّ في حرمته المعلّقة بعد عروض حالة عليه ، شكّ في حلّيته المغيّاة لا محالة أيضاً ـ إلى قوله ـ فقضيّة استصحاب حرمته المعلّقة بعد عروضها الملازم لاستصحاب حلّيته المغياة حرمته فعلاً بعد غليانه وانتفاء حلّيته الخ (١) ففيه أنّه بعد البناء على كون الحلّية هي الحلّية الثبوتية ، لا يكون جعل الحرمة للعصير العنبي على تقدير الغليان موجباً لجعل الشارع الغليان غاية للحلّية ، وإنّما أقصى ما فيه هو أنّ جعل الحرمة له على تقدير الغليان يكون رافعاً قهرياً للحلّية عند الغليان ، لأنّ جعل أحد الضدّين يكون موجباً تكويناً لرفع الضدّ الآخر ، وحينئذ فبعد أن صار العنب زبيباً ثمّ طرأه الغليان جرى فيه كلا الاستصحابين ووقع التعارض بينهما ، ولو أُريد بالاستصحاب استصحاب ارتفاعها بالغليان فقد عرفت أنّ ارتفاع الحلّية بالغليان الموجب للحرمة لا يكون
__________________
(١) كفاية الأُصول : ٤١٢.