فرميت نفسي في موضع من الدار.
فلما قرب زوال الشمس أحسست بسيدي قد خرج من عنده ورجع إلى داره ثم رأيت الآمر قد خرج من عند المأمون باحضارالاطباء والمترفقين ، قلت ما هذا فقيل لي : علة عرضت لابي الحسن علي بن موسى الرضا عليهماالسلام فكان الناس في شك وكنت على يقين ، لما أعرف منه.
قال : فلما كان من الثلث الثاني من الليل علا الصياح ، وسمعت الوجبة من الدارفأسرعت فيمن أسرع ، فاذا نحن بالمأمون مكشوف الرأس محل الازرار قائما على قدميه ينتحب ويبكي ، قال : فوقفت فيمن وقفوا وأنا أتنفس الصعداء ثم أصبحنا فجلس المأمون للتعزية ثم قام فمشى إلى الموضع الذي فيه سيدنا عليهالسلام فقال : أصلحوا لنا موضعا فاني اريد أن اغسله فدنوت منه فقلت له ما قاله سيدي بسب الغسل والتكفين والدفن ، فقال لي : لست أعرض لذلك ، ثم قال : شانك يا هرثمة.
قال : فلم أزل قائما حتى رأيت الفسطاط قد ضرب ، فوقفت من ظاهره وكل من في الدار دوني ، وأنا أسمع التكبير والتهليل والتسبيح ، وتردد الاواني وصب الماء وتضوع الطيب الذي لم أشم أطيب منه قال : فاذا أنا بالمأمون قد أشرف علي من بعض علالي داره ، فصاح بي : يا هرثمة أليس زعمتم أن الامام لايغسله إلا إمام مثله؟ فأين محمد بن علي ابنه عنه؟ وهو بمدينة الرسول وهذا بطوس بخراسان؟ قال : قلت له : يا أميرالمؤمنين إنا نقول إن الامام لايجب أن يغسله إلا إمام مثله ، فان تعدى متعد فغسل الامام لم تبطل إمامة الامام لتعدي غاسله ولا بطلت إمامة الامام الذي بعده ، بأن غلب على غسل أبيه ، ولو ترك أبوالحسن علي ابن موسى الرضا عليهاالسلام بالمدينة لغسله ابنه محمد ظاهرا ولا يغسله الآن أيضا إلا هو من حيث يخفى.
قال : فسكت عني ثم ارتفع الفسطاط فاذا أنا بسيدي عليهالسلام مدرج في أكفانه