ثم قال عليهالسلام : يا أبا الصلت غدا أدخل على هذا الفاجر ، فان أنا خرجت مكشوف الرأس فتكلم أكلمك ، وإن خرجت وأنا مغطى الرأس فلا تكلمني قال أبوالصلت : فلما أصبحنا من الغدلبس ثيابه ، وجلس فجعل في محرابه ينظر ، فبينا هو كذلك إذ دخل عليه غلام المأمون ، فقال له : أجب أميرالمؤمنين ، فلبس نعله ورداءه ، وقام ومشى وأنا أتبعه حتى دخل على المأمون ، وبين يديه طبق عليه عنب وأطباق فاكهة ، وبيده عنقود عنب قد أكل بعضه ، وبقي بعضه.
فلما أبصر الرضا عليهالسلام وثب إليه فعانقه وقبل ما بين عينيه وأجلسه معه ثم ناوله العنقود ، وقال : يا ابن رسول الله ما رأيت عنبا أحسن من هذا ، فقال له الرضا عليهالسلام : ربما كان عنبا حسنا يكون من الجنة فقال له : كل منه ، فقال له الرضا عليهالسلام : تعفيني عنه ، فقال : لابد من ذلك وما يمنعك منه لعلك تتهمنا بشئ فتناول العنقود فأكل منه ، ثم ناوله فأكل منه الرضا عليهالسلام ثلاث حبات ثم رمى به وقام فقال المأمون : إلى أين؟ فقال : إلى حيث وجهتني ، وخرج مغطى الرأس فلم اكلمه حتى دخل الدار فأمر أن يغلق الباب فغلق ثم نام على فراشه ومكثت واقفا في صحن الدار مهموما محزونا.
فبينا أنا كذلك إذ دخل علي شاب حسن الوجه ، قطط الشعر ، أشبه الناس بالرضا عليهالسلام فبادرت إليه وقلت له : من أين دخلت والباب مغلق؟ فقال : الذي جاءبي من المدينة في هذا الوقت هوالذي أدخلني الدار والباب مغلق ، فقلت له : ومن أنت؟ فقال لي : أنا حجة الله عليك ، يا أبا الصلت أنا محمد بن علي. ثم مضى نحو أبيه عليهالسلام فدخل وأمرني بالدخول معه ، فلما نظر إليه الرضا عليهالسلام وثب إليه فعانقه وضمه إلى صدره ، وقبل ما بين عينيه ، ثم سحبه سحبا في فراشه وأكب عليه محمد بن علي عليهاالسلام يقبله ويساره بشئ لم أفهمه.
ورأيت في شفتي الرضا عليهالسلام زبدا أشد بياضامن الثلج ، ورأيت أبا جعفر عليهالسلام يلحسه بلسانه ثم أدخل يده بين ثوبيه وصدره ، فاستخرج منه شيئا شبيها بالعصفور فابتلعه أبوجعفر ومضى الرضا عليهالسلام فقال أبوجعفر عليهالسلام : يا أبا الصلت قم ائتني