فاختارني وقال : قد طلب مني ابن الرضا من يفصده ، فصر إليه وهو أعلم في يومنا هذا بمن هو تحت السماء ، فاحذر أن لا تعترض عليه فيما يأمرك به.
فمضيت إليه فأمرني إلى حجرة وقال : كن إلى أن أطلبك ، قال : وكان الوقت الذي دخلت إليه فيه عندي جيدا محمودا للفصد ، فدعاني في وقت غير محمود له ، و أحضر طستا عظيما ففصدت الاكحل فلم يزل الدم يخرج حتى امتلا الطست ، ثم قال لي : اقطع فقطعت وغسل يده وشدها ، وردني إلى الحجرة ، وقدم من الطعام الحار والبارد شئ كثير ، وبقيت إلى العصر ثم دعاني فقال : سرح! ودعا بذلك الطست فسرحت وخرج الدم إلى أن امتلا الطست فقال : اقطع فقطعت وشديده وردني إلى الحجرة ، فبت فيها.
فلما أصبحت وظهرت الشمس دعاني وأحضر ذلك الطست ، وقال : سرح فسرحت ، فخرج مثل اللبن الحليب إلى أن امتلا الطست ، فقال : اقطع فقطعت فشديده ، وقدم لي بتخت ثياب وخمسين دينارا ، وقال : خذ هذا وأعذر وانصرف فأخذت وقلت : يأمرني السيد بخدمة؟ قال نعم ، تحسن صحبة من يصحبك من دير العاقول! فصرت إلى بختيشوع ، وقلت له القصة فقال : اجتمعت الحكماء على أن أكثر ما يكون في بدن الانسان سبعة أمناء من الدم (١) وهذا الذي حكيت
____________________
فلما أصبحت أمر قهرمانه أن يعطينى ثلاثة دنانير ، فأخذتها وخرجت حتى أتيت ابن بختيشوع النصرانى ، فقصصت عليه القصة ، قال : فقال لي : والله ما أفهم ما تقول ، ولا أعرفو في شئ من الطب ، ولاقرأته في كتاب ، ولا أعلم في دهرنا أعلم بكتب النصرانية من فلان الفارسى فاخرج اليه.
قال : فاكتريت زورقا إلى البصرة ، وأتيت الاهواز ثم صرت إلى فارس إلى صاحبى فأخبرته الخبر ، قال فقال : أنظرنى أياما فأنظرته ، ثم أتيته متقاضياقال : فقال لى : ان هذا الذى تحكيه عن هذا الرجل فعله المسيح في دهره مرة.
(١) الامناء : جمع المناء كيل يكال به السمن وغيره ، أو ميزان يوزن به ، رطلان قال في الصحاح ص ٢٤٩٧ أنه أفصح من المن وقال غيره : وهو كالمن في لغة تميم.