.................................................................................................
______________________________________________________
والوعظ ، فمن كان أهلا لتلك الأمور عالما (١) بما يقول متبعا للكتاب والسنة وكان غرضه هداية الخلق وتعليمهم مسائل دينهم فهو من الرئاسة الحقة ، ويحتمل وجوبه إما عينا أو كفاية ، ومن لم يكن أهلا لذلك ويفسر الآيات برأيه والأخبار مع عدم فهمها ، ويفتي الناس بغير علم فهو ممن قال الله سبحانه فيهم : « قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً » (٢) وكذلك من هو أهل لتلك الأمور من جهة العلم لكنه مراء متصنع يحرف الكلم عن مواضعه ، ويفتي الناس بخلاف ما يعلم ، أو كان غرضه محض الشهرة وجلب القلوب أو تحصيل الأموال والمناصب فهو أيضا من الهالكين ، ومنها أيضا إمامة الجمعة والجماعة فهذا أيضا إن كان أهله وصحت نيته فهو من الرئاسات الحقة وإلا فهو أيضا من أهل الفساد.
والحاصل أن الرئاسة إن كانت بجهة شرعية ولغرض صحيح فهي ممدوحة وإن كانت على غير الجهات الشرعية أو مقرونة بالأغراض الفاسدة فهي مذمومة فهذه الأخبار محمولة على هذه الوجوه الباطلة ، أو على ما إذا كان المقصود نفس الرئاسة والتسلط.
قال بعض المحققين : معنى الجاه ملك القلوب والقدرة عليها ، فحكمها حكم ملك الأموال فإنه عرض من أعراض الحياة الدنيا وينقطع بالموت كالمال ، والدنيا مزرعة الآخرة فكل ما خلق الله من الدنيا فيمكن أن يتزود منه إلى الآخرة ، وكما أنه لا بد من أدنى مال لضرورة المطعم والملبس ، فلا بد من أدنى جاه لضرورة المعيشة مع الخلق ، والإنسان كما لا يستغني عن طعام يتناوله ، فيجوز أن يحب
__________________
(١) الظاهر أنّ الصحيح « عاملا » بدل « عالما » ولكن النسخ متفقة على ما في المتن ويحتمل التصحيف أيضا.
(٢) سورة الكهف : ١١٣.