.................................................................................................
______________________________________________________
الطعام والمال الذي يباع به الطعام فكذلك لا يخلو عن الحاجة إلى خادم يخدمه ورفيق يعينه وأستاد يعلمه وسلطان يحرسه ، ويدفع عنه ظلم الأشرار ، فحبه أن يكون له في قلب خادمه من المحل ما يدعوه إلى الخدمة ليس بمذموم ، وحبه لأن يكون له في قلب رفيقه من المحل ما يحسن به مرافقته ومعاونته ليس بمذموم ، وحبه لأن يكون في قلب أستاذه من المحل ما يحسن به إرشاده وتعليمه والعناية به ليس بمذموم ، وحبه لأن يكون له من المحل في قلب سلطانه ما يحثه ذلك على دفع الشر عنه ليس بمذموم ، فإن ألجأه وسيلة إلى الأغراض كالمال ، فلا فرق بينهما إلا أن التحقيق في هذا يفضي إلى أن لا يكون المال والجاه في أعيانهما محبوبين بل ينزل ذلك منزلة حب الإنسان أن يكون في داره بيت ماء لأنه يضطر إليه لقضاء حاجته وبوده (١) لو استغنى عن قضاء الحاجة حتى يستغني عن بيت الماء ، وهذا على التحقيق ليس بحب لبيت الماء ، فكل ما يراد به التوصل إلى محبوب فالمحبوب هو المقصود المتوسل إليه ، وتدرك التفرقة بمثال وهو أن الرجل قد يحب زوجته من حيث أنه يدفع بها فضلة الشهوة ، كما يدفع بيت الماء فضلة الطعام ، ولو كفى مؤنة الشهوة لكان يهجر زوجته كما لو كفى قضاء الحاجة لكان لا يدخل بيت الماء ولا يدور به ، وقد يحب زوجته لذاتها حب العشاق ولو كفى الشهوة لبقي مستصحبا لنكاحها ، فهذا هو الحب دون الأول ، فكذلك الجاه والمال قد يحب كل واحد منهما من هذين الوجهين فحبهما لأجل التوسل إلى مهمات البدن غير مذموم ، وحبهما لأعيانهما فيما يجاوز ضرورة البدن وحاجته مذموم ولكنه لا يوصف صاحبه بالفسق والعصيان ما لم يحمله الحب على مباشرة معصية ، وما لم يتوصل إلى اكتسابه بعبادة ، فإن التوصل إلى المال والجاه بالعبادة جناية على الدين وهو حرام ، وإليه يرجع معنى الرياء المخطور كما مر.
__________________
(١) كذا في نسخة المؤلّف (ره) وساير النسخ التي عندنا.