.................................................................................................
______________________________________________________
فإن قلت : طلب الجاه والمنزلة في قلب أستاذه وخادمه ورفيقه وسلطانه ومن يرتبط به أمره مباح على الإطلاق كيف ما كان ، أو مباح إلى حد مخصوص أو على وجه مخصوص؟.
فأقول : يطلب ذلك على ثلاثة أوجه ، وجهان منها مباح ووجه منها مخطور أما المخطور فهو أن يطلب قيام المنزلة في قلوبهم باعتقادهم فيه صفة هو منفك عنها مثل العلم والورع والنسب فيظهر لهم أنه علوي أو عالم أو ورع ، ولا يكون كذلك فهذا حرام لأنه تلبيس وكذب إما بالقول وإما بالفعل ، وأما المباح فهو أن يطلب المنزلة بصفة هو متصف بها كقول يوسف عليهالسلام : « اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ » فإنه طلب المنزلة في قلبه بكونه حفيظا عليما ، وكان محتاجا إليه ، وكان صادقا فيه ، والثاني أن يطلب إخفاء عيب من عيوبه ومعصية من معاصيه ، حتى لا يعلمه فلا تزول منزلته به ، فهذا أيضا مباح ، لأن حفظ الستر على القبائح جائز ولا يجوز هتك الستر وإظهار القبيح ، فهذا ليس فيه تلبيس بل هو سد لطريق العلم بما لا فائدة في العلم به ، كالذي يخفى عن السلطان أنه يشرب الخمر ولا يلقى إليه أنه ورع ، فإن قوله : إني ورع تلبيس ، وعدم إقراره بالشرب لا يوجب اعتقاده الورع بل يمنع العلم بالشرب.
ومن جملة المخطورات تحسين الصلاة بين يديه لتحسن فيه اعتقاده ، فإن ذلك رياء وهو ملبس إذ يخيل إليه أنه من المخلصين الخاشعين لله ، وهو مرائي بما يفعله فكيف يكون مخلصا ، فطلب الجاه بهذا الطريق حرام ، وكذا بكل معصية ، وذلك يجري مجرى اكتساب المال من غير فرق ، وكما لا يجوز له أن يتملك مال غيره بتلبيس في عوض أو في غيره ، فلا يجوز له أن يتملك قلبه بتزوير وخداع ، فإن ملك القلوب أعظم من ملك الأموال.