.................................................................................................
______________________________________________________
وتغيرت آثاره ، فلا يسمى إيمانا حقيقة ، أو المعنى أنه إذا كان طعم العسل في الذائقة فشرب الخل ذهبت تلك الحلاوة بالكلية فلا يجد طعم العسل ، فكذا الغضب إذا ورد على صاحب الإيمان لم يجد حلاوته وذهبت فوائده ، قال بعض المحققين : الغضب شعلة نار اقتبست من نار الله الموقدة إلا أنها لا تطلع إلا على الأفئدة وأنها لمستكنة في طي الفؤاد استكنان الجمر تحت الرماد ، ويستخرجها الكبر الدفين من قلب كل جبار عنيد ، كما يستخرج الحجر النار من الحديد ، وقد انكشف للناظرين بنور اليقين أن الإنسان ينزع منه عرق إلى الشيطان اللعين فمن أسعرته نار الغضب فقد قويت فيه قرابة الشيطان ، حيث قال : « خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ » فمن شأن الطين السكون والوقار ، ومن شأن النار التلظي والاستعار ، والحركة والاضطراب والاصطهار ، ومنه قوله تعالى : « يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ » (١) ومن نتائج الغضب الحقد والحسد ، وبهما هلك من هلك وفسد من فسد.
ثم قال : اعلم أن الله تعالى لما خلق الإنسان معرضا للفساد والموتان بأسباب خارجة منه أنعم عليه بما يحميه الفساد ويدفع عنه الهلاك إلى أجل معلوم سماه في كتابه ، أما السبب الداخل فإنه ركبه من الرطوبة والحرارة ، وجعل بين الحرارة والرطوبة عداوة ومضادة ، فلا تزال الحرارة تحلل الرطوبة وتجففها وتبخرها حتى يتفشى أجزاؤها بخارا يتصاعد منها ، فلو لم يتصل بالرطوبة مدد من الغذاء بجبر ما انحل وتبخر من أجزائها لفسد الحيوان ، فخلق الله الغذاء الموافق لبدن الحيوان وخلق في الحيوان شهوة تبعثه على تناول الغذاء كالموكل به في جبر ما انكسر وسد ما انثلم ليكون حافظا له من الهلاك بهذا الأسباب ، وأما الأسباب الخارجة التي يتعرض لها الإنسان فكالسيف والسنان وسائر المهلكات التي يقصد بها ، فافتقر إلى
__________________
(١) سورة الحجّ : ٢٠.