.................................................................................................
______________________________________________________
قوة وحمية تثور من باطنه ، فيدفع المهلكات عنه فخلق الله الغضب من النار ، وغرزه في الإنسان وعجنه بطينته ، فمهما قصد في غرض من أغراضه ومقصود من مقاصده اشتعلت نار الغضب وثارت ثورانا يغلي به دم القلب ، وينتشر في العروق ، ويرتفع إلى أعالي البدن كما يرتفع النار ، وكما يرتفع الماء الذي يغلي في القدر ، ولذلك ينصب إلى الوجه فيحمر الوجه والعين ، والبشرة بصفائها تحكي لون ما ورائها من حمرة الدم كما تحكي الزجاجة لون ما فيها ، وإنما ينبسط الدم إذا غضب على من دونه واستشعر القدرة عليه ، فإن صدر الغضب على من هو فوقه وكان معه يأس من الانتقام تولد منه انقباض الدم من ظاهر الجلد إلى جوف القلب ، وصار حزنا ، ولذلك يصفر اللون وإن كان الغضب على نظير يشك فيه تولد منه تردد بين انقباض وانبساط فيحمر ويصفر ويضطرب.
وبالجملة فقوة الغضب محلها القلب ومعناها غليان دم القلب لطلب الانتقام ، وإنما يتوجه هذه القوة عند ثورانها إلى دفع المؤذيات قبل وقوعها ، وإلى التشفي والانتقام بعد وقوعها ، والانتقام قوت هذه القوة وشهوتها ، وفيه لذتها ولا تسكن إلا به.
ثم الناس في هذه القوة على درجات ثلاث في أول الفطرة وبحسب ما يطرء عليها من الأمور الخارجة من التفريط والإفراط والاعتدال ، أما التفريط فبفقد هذه القوة أو ضعفها بأن لا يستعملها فيما هو محمود عقلا وشرعا ، مثل دفع الضرر عن نفسه على وجه سائغ ، والجهاد مع الأعداء والبطش عليهم وإقامة الحدود على الوجه المعتبر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فتحصل فيه ملكة الجبن بل ينتهي إلى عدم الغيرة على حرمه وأشباه ذلك.
وهذا مذموم معدود من الرذائل النفسانية وقد وصف الله تعالى الصحابة