.................................................................................................
______________________________________________________
لأخيه نعمة فيتمنى زوالها عنه ، وتكون له دونه ، والغبطة أن يتمنى أن يكون له مثلها ولا يتمنى زوالها عنه ، انتهى.
واعلم أنه لا حسد إلا على نعمة ، فإذا أنعم الله على أخيك نعمة فلك فيها حالتان أحدهما أن تكره تلك النعمة وتحب زوالها ، سواء أردت وصولها إليك أم لا ، فهذه الحالة تسمى حسدا ، والثانية أن لا تحب زوالها ولا تكره وجودها ودوامها ولكنك تشتهي لنفسك مثلها ، وهذه تسمى غبطة ، وقد يخص باسم المنافسة ، فأما الأول فهو حرام مطلقا كما هو المشهور ، أو إظهارها كما يظهر من بعض الأخبار إلا نعمة أصابها فاجر أو كافر وهو يستعين بها على تهييج الفتنة وإفساد ذات البين وإيذاء الخلق فلا يضرك كراهتك لها ومحبتك لزوالها ، فإنك لا تحب زوالها من حيث إنها نغمة بل من حيث هي آلة الفساد ، ولو آمنت فساده لم تغمك تنعمه.
وأما الحسد المذموم فمع قطع النظر عن الآيات الكثيرة والأخبار المتواترة الواردة في ذمها والنهي عنها ، وصريح العقل أيضا يحكم بقبحها فإنه سخط لقضاء الله في تفضيل بعض عباده على بعض ، وأي معصية تزيد على كراهتك لراحة مسلم من غير أن يكون لك فيها مضرة وسيأتي ذكر بعض مفاسدها.
وأما المنافسة فليست بحرام بل هي إما واجبة أو مندوبة أو مباحة ، كما قال تعالى : « وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ » (١) وقال سبحانه : « سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ » (٢) فأما الواجبة فهي ما إذا كانت في نعمه دينية واجبة كالإيمان والصلاة والزكاة ، فإنه إن لم يحب أن يكون له مثل ذلك يكون راضيا بالمعصية وهو حرام ، والمندوبة فيما إذا كانت النعمة من الفضائل كإنفاق الأموال في المكارم والصدقات ، والمباحة فيما إذا كانت لغيره نعمة مباحة يتنعم فيها على وجه مباح ، فيتمنى أن
__________________
(١) سورة المطفّفين : ٢٦.
(٢) سورة الحديد : ٢١.