.................................................................................................
______________________________________________________
يكون له مثلها يتنعم بها من غير أن يريد زوالها عنه في الجميع.
وأقول : يمكن أن يفرض فيها فرد حرام كان يتمنى منصبا حراما أو مالا حراما أو مالا حلالا ليصرفها في الحرام ، بل مكروه أيضا كان يتمنى مال شبهة أو مالا حلالا ليصرفها في المصارف المكروهة.
وقيل : للحسد أسباب كثيرة يحصر جملتها سبعة : العداوة والتعزز والكبر ، والتعجب ، والخوف من فوت المقاصد المحبوبة ، وحب الرئاسة ، وخبث النفس وبخلها ، فإنه إنما يكره النعمة عليه إما لأنه عدوه فلا يريد له الخير ، وإما أن يكون من حيث يعلم أنه يستكبر بالنعمة عليه ، وهو لا يطيق احتمال كبره وتفاخره لعزة نفسه وهو المراد بالتعزز ، وإما أن يكون في طبعه أن يتكبر على المحسود ويمتنع ذلك عليه بنعمته ، وهو المراد بالتكبر ، وإما أن تكون النعمة عظيمة والمنصب كبيرا فيتعجب من فوز مثله بمثل تلك النعمة كما أخبر الله تعالى عن الأمم الماضية إذ قالوا « ما أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا » ، وقالوا « أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا » ، وأمثال ذلك كثيرة ، فتعجبوا من أن يفوز برتبة الرسالة والوحي والقرب من الله بشر مثلهم فحسدوهم وهو المراد بالتعجب ، وإما أن يخاف من فوات مقاصده بسبب نعمته بأن يتوصل بها إلى مزاحمته في أغراضه ، وإما أن يكون بحب الرئاسة التي يبتني على الاختصاص بنعمة لا يساوي فيها ، وإما أن لا يكون بسبب من هذه الأسباب بل لخبث النفس وشحها بالخير لعباد الله.
فهذه أسباب الحسد وقد يجتمع بعض هذه الأسباب أو أكثرها أو جميعها في شخص واحد ، فيعظم الحسد لذلك ويقوى قوة لا يقدر معها على الإخفاء والمجاملة ، بل يهتك حجاب المجاملة ويظهر العداوة بالمكاشفة ، وأكثر المحاسدات يجتمع فيها جملة من هذه الأسباب.
واعلم أن الحسد من الأمراض العظيمة للقلوب ولا تداوى أمراض القلوب إلا بالعلم والعمل ، والعلم المنافع لمرض الحسد هو أن تعرف تحقيقا أن الحسد