.................................................................................................
______________________________________________________
في نفسك كراهة لهذه الحالة فأنت أيضا حسود عاص لأن الحسد صفة القلب لا صفة الفعل ، قال الله تعالى : « وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا » (١) وقال : « وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً » (٢) وقال : « إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ » (٣) أما بالفعل فهو غيبة وكذب وهو عمل صادر عن الحسد ، وليس هو عين الحسد بل محل الحسد القلب دون الجوارح ، نعم هذا الحسد ليست مظلمة يحبب الاستحلال منها ، بل هو معصية بينك وبين الله ، وإنما يجب الاستحلال من الأسباب الظاهرة على الجوارح وأما إذا كففت ظاهرك وألزمت مع ذلك قلبك كراهية ما يترشح منه بالطبع من حيث زوال النعمة حتى كأنك تمقت نفسك على ما في طبعها ، فتكون تلك الكراهية من جهة العقل في مقابلة الميل من جهة الطبع ، فقد أديت الواجب عليك ولا مدخل تحت اختيارك في أغلب الأحوال أكثر من هذا فأما تغيير الطبع ليستوي عنده المؤذي والمحسن ويكون فرحه أو غمه بما تيسر لهما من نعمة وتصب عليهما من بلية سواء ، فهذا مما لا يطاوع الطبع عليه ما دام ملتفتا إلى حظوظ الدنيا إلا أن يصير مستغرقا بحب الله تعالى مثل السكران الواله ، فقد ينتهي أمره إلى أن لا يلتفت قلبه إلى تفاصيل أحوال العباد بل ينظر إلى الكل بعين واحدة وهو عين الرحمة ، ويرى الكل عباد الله ، وذلك إن كان فهو كالبرق الخاطف لا يدوم ويرجع القلب بعد ذلك إلى طبعه ، ويعود العدو إلى منازعته أعني الشيطان فإنه ينازع بالوسوسة ، فمهما قابل ذلك بكراهة ألزم قلبه فقد أدى ما كلفه ، وذهب ذاهبون إلى أنه لا يأثم إذا لم يظهر الحسد على جوارحه ، وروي مرفوعا أنه ثلاثة في المؤمن له منهن مخرج ومخرجه من الحسد أن لا يبغي ، والأولى أن يحمل هذا على ما ذكرناه من أن يكون فيه
__________________
(١) سورة الحشر : ٩.
(٢) سورة النساء : ٨٩.
(٣) سورة آل عمران : ١٢٠.