قال إن الملائكة كانوا يحسبون أن إبليس منهم ـ وكان في علم الله أنه ليس منهم فاستخرج ما في نفسه بالحمية والغضب فقال « خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ».
______________________________________________________
« كانوا يحسبون أن إبليس منهم » أي في طاعة الله وعدم العصيان لمواظبته على عبادة الله تعالى أزمنة متطاولة ولم يكونوا يجوزون أنه يعصي الله ويخالفه في أمره لبعد عدم علم الملائكة بأنه ليس منهم بعد أن أسروه من بين الجن ورفعوه إلى السماء فهو من قبيل قولهم عليهمالسلام : سلمان منا أهل البيت ، ويمكن أن يكون المراد كونه من جنسهم ويكون ذلك الحسبان لمشاهدتهم تباين أخلاقه ظاهرا للجن وتكريم الله تعالى له وجعله بينهم بل رئيسا على بعضهم كما قيل ، فظنوا أنه كان منهم وقع بين الجن ، أو يقال : كان الظان جمع من الملائكة لم يطلعوا على بدو أمره ، وعلى بعض هذه الوجوه أيضا يحمل ما روى العياشي عن جميل بن دراج قال : سألته عن إبليس أكان من الملائكة أو هل كان يلي شيئا من أمر السماء؟ قال : لم يكن من الملائكة ولم يكن يلي شيئا من أمر السماء ، وكان من الجن وكان مع الملائكة ، وكانت الملائكة ترى أنه منها وكان الله يعلم أنه ليس منها فلما أمر بالسجود كان منه الذي كان.
« فاستخرج ما في نفسه » أي أظهر إبليس ما في نفسه أي أخذته الحمية والأنفة والعصبية وافتخر وتكبر على آدم بأن أصل آدم من طين وأصله من نار ، والنار أشرف من الطين وأخطأ في ذلك بجهات شتى : منها أنه إنما نظر إلى جسد آدم ولم ينظر إلى روحه المقدسة التي أودع الله فيها غرائب الشؤون ، وقد ورد ذلك في الأخبار ، ومنها أن ما ادعاه من شرافة النار وكونها أعلى من الطين في محل المنع ، فإن الطين لتذلله منبع لجميع الخيرات ، ومنشأ لجميع الحبوب والرياحين والثمرات ، والنار لرفعتها واشتعالها يحصل منها جميع الشرور والصفات الذميمة ، والأخلاق السيئة فثمرتها الفساد وآخرها الرماد ، وقد أوردنا بعض الكلام فيه في كتابنا الكبير.