.................................................................................................
______________________________________________________
جميع ما يهواه في دنياه ، وهو مضطر ذليل ، إن ترك ما بقي وإن اختطف فنى ، عبد مملوك لا يقدر على شيء من نفسه ، ولا من غيره.
فأي شيء أذل منه لو عرف نفسه ، وأنى يليق الكبر به لو لا جهله ، فهذا أوسط أحواله فليتأمله.
وأما آخره ومورده فهو الموت المشار إليه بقوله تعالى : « ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ ، ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ » ومعناه أنه يسلب روحه وسمعه وبصره وعلمه وقدرته وحسه وإدراكه وحركته ، فيعود جمادا كما كان أول مرة ، لا تبقى إلا شكل أعضائه وصورته ، لا حس فيه ولا حركة ، ثم يوضع في التراب فيصير جيفة منتنة قذرة كما كان في الأول نطفة قذرة ثم تبلى أعضاؤه وصورته وتفتت أجزائه وتنخر عظامه فتصير رميما ورفاتا ، وتأكل الدود أجزاءه فيبتدئ بحدقتيه فيقلعهما ، وبخديه فيقطعهما ، وبسائر أجزائه فتصير روثا في أجواف الديدان ، وتكون جيفة تهرب منه الحيوان ، ويستقذره كل إنسان ، ويهرب منه لشدة الإنتان ، وأحسن أحواله أن يعود إلى ما كان فيصير ترابا يعمل منه الكيزان ، أو يعمر به البنيان ويصير مفقودا بعد ما كان موجودا ، وصار كان لم يغن بالأمس حصيدا كما كان أول مرة أمدا مديدا ، وليته بقي كذلك فما أحسنه لو تركه ترابا لا بل يحييه بعد طول البلى ليقاسى شدائد البلاء ، فيخرج من قبره بعد جمع أجزائه المتفرقة ، ويخرج إلى أحوال القيامة فينظر إلى قيامة قائمة وسماء ممزقة مشققة وأرض مبدلة وجبال مسيرة ، ونجوم منكدرة وشمس منكسفة وأحوال مظلمة وملائكة غلاظ شداد ، وجحيم تزفر ، وجنة ينظر إليه المجرم فيتحسر ويرى صحائف منشورة ، فيقال له : اقرأ كتابك ، فيقول وما هو؟ فيقال : كان قد وكل بك في حياتك التي كنت تفرح بها وتتكبر بنعيمها ، وتفتخر بأسبابها ملكان رقيبان يكتبان عليك ما تنطق به أو