.................................................................................................
______________________________________________________
تعمله ، من قليل وكثير ونقير وقطمير ، وأكل وشرب وقيام وقعود ، وقد نسيت ذلك وأحصاه الله فهلم إلى الحساب واستعد للجواب أو يساق إلى دار العذاب ، فيتقطع قلبه هول هذا الخطاب من قبل أن ينشر الصحف ويشاهد ما فيها من مخازيه ، فإذا شاهدها قال : « يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصاها » (١).
فهذا آخر أمره ، وهو معنى قوله عز وجل : « ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ » فما لمن هذه حاله والتكبر ، بل ماله وللفرح في لحظة فضلا عن البطر والتجبر فقد ظهر له أول حاله ووسطه ، ولو ظهر آخره والعياذ بالله ربما اختار أن يكون كلبا وخنزيرا ليصير مع البهائم ترابا ، ولا يكون إنسانا يسمع خطابا ، ويلقى عذابا وإن كان عند الله مستحقا للنار ، فالخنزير أشرف منه وأطيب وأرفع إذ أوله التراب وآخره التراب ، وهو بمعزل عن الحساب والعذاب ، والكلب والخنزير لا يهرب منه الخلق ولو رأى أهل الدنيا العبد المذنب في النار لصعقوا من وحشة خلقته ، وقبح صورته ولو وجدوا ريحه لماتوا من نتنه ، ولو وقعت قطرة من شرابه الذي يسقاه في بحار الدنيا لصارت أنتن من الجيف.
فمن هذا حاله في العاقبة إلا أن يعفى عنه وهو على شك من العفو فكيف يتكبر ، وكيف يرى نفسه شيئا حتى يعتقد لها فضلا ، وأي عبد لم يذنب ذنبا استحق به العقوبة إلا أن يعفو الكريم بفضله ، أرأيت من جنى على بعض الملوك بما استحق به ألف سوط فحبس في السجن وهو منتظر أن يخرج إلى العرض ويقام عليه العقوبة على بلاء من الخلق ، وليس يدري أيعفى عنه أم لا ، كيف يكون ذلة في السجن أفترى أنه يتكبر على من معه في السجن وما من عبد مذنب إلا والدنيا
__________________
(١) سورة الكهف : ٤٩.