حسرات على الدنيا ومن أتبع بصره ما في أيدي الناس كثر همه ولم يشف غيظه
______________________________________________________
مقام المصدر ، انتهى.
وقيل : العزاء مصدر بمعنى الصبر أو اسم للتعزية ، وكلاهما مناسب ، وعلى الأول إسناده إلى الله تعالى لأنه السبب له والباء إما للآلية المجازية كما قيل في قوله تعالى : « فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ » (١) أو للسببية ، والحاصل أنه من لم يصبر على ما فاته من الدنيا وعلى البلايا التي تصيبه فيها بما سلاه الله في قوله « وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ » (٢) وسائر الآيات الواردة في ذم الدنيا وفنائها ، ومدح الرضا بقضائه تعالى « تقطعت نفسه » للحسرات على المصائب وعلى ما فاته من الدنيا ، وربما يحصل الحسرات على ما يحصل له عند الموت من مفارقتها أو الأعم منها ومما يحصل له في الدنيا وجمعية الحسرات مع كونه مصدرا لإرادة الأنواع.
« ومن اتبع نظره (٣) ما في أيدي الناس » أي نظر إلى من هو فوقه من أهل الدنيا. وما في أيديهم من نعيمها وزبرجها نظر رغبة وتحسر وتمن « كثر همه » لعدم تيسرها له فيغتاظ لذلك ويحسدهم عليها ولا يمكنه شفاء غيظه إلا بأن يحصل له أكثر مما في أيديهم أو يسلب الله عنهم جميع ذلك ، ولا يتيسر له شيء من الأمرين فلا يشفي غيظه أبدا ولا يتهنأ له العيش ما رأى في نعمه أحدا ولا يتفكر في أنه إنما منعه الله ذلك لأنه علم أنه سبب هلاكه ، فهو يتمنى حالهم ولا يعلم حقيقة مالهم كما حكى الله سبحانه عن قوم تمنوا حال قارون حيث قالوا « يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ. وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً وَلا يُلَقَّاها إِلاَّ الصَّابِرُونَ. فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ ». « أَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣٧.
(٢) سورة البقرة : ١٥٥.
(٣) كذا في النسخ ، وفي المتن « بصره ».