ومن لم ير لله عز وجل عليه نعمة إلا في مطعم أو مشرب أو ملبس فقد قصر عمله ودنا عذابه.
______________________________________________________
لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ » (١) وانتفاء الخسف الظاهري بأهل الأموال والتجبر من هذه الأمة لا يوجب انتفاء الخسف في دركات الشهوات النفسانية ومهاوي التعلقات الجسمانية والحرمان عن درجات القرب والكمال ، وخسفهم في عظيم النكال وشديد الوبال ، أعاذنا الله وسائر المؤمنين من جميع ذلك ، ويسهل لنا الوصول في الدارين إلى أحسن الأحوال.
« ومن لم ير أن لله عليه نعمة إلا في مطعم » أي من توهم أن نعمة الله عليه منحصرة في هذه النعم الظاهرة كالمطعم والمشرب والمسكن وأمثالها فإذا فقدها أو شيئا منها ظن أنه ليس لله عليه نعمة فلا ينشط في طاعة الله ، وإن عمل شيئا مع هذه العقيدة الفاسدة وعدم معرفة منعمه لا ينفعه ولا يتقبل منه ، فيكون عمله قاصرا وعذابه دانيا لأن هذه النعم الظاهرة حقيرة في جنب نعم الله العظيمة عليه من الإيمان والهداية والتوفيق والعقل والقوي الظاهرة والباطنة ، والصحة ودفع شر الأعادي وغيرها مما لا يحصى ، بل هذا الفقر أيضا من أعظم نعم الله عليه ، وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها.
وقال بعض المحققين : معنى الحديث أن من لم يصبر ولم يسل أو لم يحسن الصبر والسلوة على ما رزقه الله من الدنيا بل أراد الزيادة في المال أو ألجأه مما لم يرزقه إياه تقطعت نفسه متحسرا حسرة بعد حسرة على ما يراه في يدي غيره ممن فاق عليه في العيش فهو لم يزل يتبع بصره ما في أيدي الناس ، ومن أتبع بصره ما في أيدي الناس كثر همه ولم يشف غيظه ، فهو لم ير أن لله عليه نعمة إلا نعم الدنيا وإنما يكون كذلك من لا يوقن بالآخرة ، ومن لم يوقن بالآخرة قصر عمله ، وإذ ليس له
__________________
(١) سورة القصص : ٨٠ ـ ٨٢.