من الدنيا إلا ما قسم الله له ومن أصبح وأمسى والآخرة أكبر همه جعل الله
______________________________________________________
« أكبر همه » أي قصده أو حزنه « جعل الله الفقر بين عينيه » لأنه كلما يحصل له من الدنيا يزيد حرصه بقدر ذلك ، فيزيد احتياجه وفقره ، أو لضعف توكله على الله يسد الله عليه بعض أبواب رزقه ، وقيل : فهو فقير في الآخرة لتقصيره فيما ينفعه فيها وفي الدنيا لأنه يطلبها شديدا والغني من لا يحتاج إلى الطلب ، ولأن مطلوبه كثيرا ما يفوت عنه ، والفقر عبارة عن فوات المطلوب ، وأيضا يبخل عن نفسه وعياله خوفا من فوات الدنيا وهو فقر حاضر « وشتت أمره » التشتيت التفريق لأنه لعدم توكله على ربه لا ينظر إلا في الأسباب ويتوسل بكل سبب ووسيلة فيتحير في أمره ولا يدري وجه رزقه فلا ينتظم أحواله أو لشدة حرصه لا ينتفع بما حصل له ويطلب الزيادة ولا يتيسر له فهو دائما في السعي والطلب ولا ينتفع بشيء وحمله على تفرق أمر الآخرة بعيد « ولم ينل من الدنيا إلا ما قسم له » (١) يدل على أن الرزق مقسوم ، ولا يزيد بكثرة السعي ، كما قال تعالى : « نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا » (٢) ولذلك منع الصوفية من طلب الرزق ، والحق أن الطلب حسن وقد يكون واجبا وتقديره لا ينافي اشتراطه بالسعي والطلب ، ولزومه على الله بدون سعي غير معلوم ، وقيل : قدر سد الرمق واجب على الله ، ويحتمل أن يكون التقدير مختلفا في صورتي الطلب وتركه بأن قدر الله تعالى قدرا من الرزق بدون الطلب لكن مع التوكل التام عليه ، وقدرا مع الطلب لكن شدة الحرص وكثرة السعي لا تزيده ، وبه يمكن الجمع بين أخبار هذا لباب وسيأتي القول فيه في كتاب التجارة إن شاء الله تعالى ، وقيل : المراد بقوله لم ينل من الدنيا إلا ما قسم له أنه لا ينفع إلا بما قسم له وإن زاد بالسعي فإنه يبقى للوارث وهو حظه.
__________________
(١) وفي المتن الموجود عندنا « ما قسم الله له ... ».
(٢) سورة الزخرف : ٣٢.