.................................................................................................
______________________________________________________
ومتعلق الرجاء ما سواه ، أو متعلق الأمل بعيد الحصول ومتعلق الرجاء قريب الوصول ، ومعلوم أن محب الدنيا وطالبها يأمل منها ما لا مطمع في حصوله ، لكن لشدة حرصه يطلبه ويأمله ويرجو الانتفاع بها ، فيحول الأجل بينه وبينها أو يرجو الآخرة وجمعها مع الدنيا ، مع أنه لا يسعى لتحصيل الآخرة ويقصر همه على تحصيل الدنيا ، ونعم ما قيل :
يا طالب الرزق مجتهدا |
|
أقصر عنانك فإن الرزق مقسوم |
لا تحرصن على ما لست تدركه |
|
إن الحريص على الآمال محروم |
تتمة مهمة قد مر منا تحقيق في معنى الدنيا المذمومة والممدوحة في باب ذم الدنيا ، ونذكر هنا على وجه آخر قال بعض المحققين : اعلم أن معرفة ذم الدنيا لا يكفيك ما لم تعرف الدنيا المذمومة ما هي وما الذي ينبغي أن يجتنب ، فلا بد أن نبين الدنيا المذمومة المأمور باجتنابها لكونها عدوة قاطعة لطريق الله ما هي.
فنقول : دنياك وآخرتك عبارتان عن حالتين من أحوال قلبك والقريب الداني منهما يسمى دنيا ، وهي كل ما قبل الموت ، والمتراخي المتأخر يسمى آخرة وهي ما بعد الموت ، فكل ما لك فيه حظ وغرض ونصيب وشهوة ولذة في عاجل الحال قبل الوفاة فهي الدنيا في حقك ، إلا أن جميع مالك إليه ميل وفيه نصيب وحظ فليس بمذموم ، بل هي تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
الأول : ما يصحبك في الدنيا ويبقى معك ثمرته بعد الموت ، وهو شيئان العلم والعمل فقط ، وأعني بالعلم العلم بالله وصفاته وأفعاله وملائكته وكتبه ورسله ، وملكوت أرضه وسمائه ، والعلم بشريعة نبيه ، وأعني بالعمل العبادة الخالصة لوجه الله ، وقد يأنس العالم بالعلم حتى يصير ذلك ألذ الأشياء عنده ، فيهجر النوم والمنكح والمطعم في لذته لأنه أشهى عنده من جميعها ، فقد صار حظا عاجلا