.................................................................................................
______________________________________________________
في الأعمال الشاقة ويكسبون ويجمعون ولا يأكلون إلا قدر الضرورة شحا وبخلا عليها أن تنقص ، وهذه لذتهم وفي ذلك دأبهم وحركتهم إلى أن يأتيهم الموت فيبقى تحت الأرض أو يظفر به من يأكله في الشهوات واللذات ، فيكون للجامع تعبها ووبالها وللآكل لذتها وحسابها.
ثم إن الذين يجمعون ينظرون إلى أمثال ذلك في أشباههم وأمثالهم فلا يعتبرون.
وطائفة زعموا أن السعادة في حسن الاسم وانطلاق الألسن بالثناء والمدح بالتجمل والمروة فهؤلاء يتعبون في كسب المعايش ويضيقون على أنفسهم في المطعم ويصرفون جميع مالهم إلى الملابس الحسنة والدواب النفيسة ، ويزخرفون أبواب الدور وما يقع عليه أبصار الناس حتى يقال إنه غني وأنه ذو ثروة ويظنون أن ذلك هو السعادة ، فهمتهم في ليلهم ونهارهم في تعهد موقع نظر الناس.
وطائفة أخرى ظنوا أن السعادة في الجاه والكرامة بين الناس ، وانقياد الخلق بالتواضع والتوقير ، فصرفوا همتهم إلى استجرار الناس إلى الطاعة بطلب الولاية وتقلد الأعمال السلطانية لينفذوا أمرهم بها على طائفة من الناس ، ويرون أنهم إذا اتسعت ولايتهم وانقادت لهم رعاياهم فقد سعدوا سعادة عظيمة ، وأن ذلك غاية المطلب ، وهذا أغلب الشهوات على قلوب المتغافلين من الناس ، فهؤلاء شغلهم حب تواضع الناس لهم عن التواضع لله وعن عبادته ، وعن التفكر في آخرتهم ومعادهم.
ووراء هذا طوائف يطول حصرها تزيد على نيف وسبعين فرقه كلهم ضلوا وأضلوا من سواء السبيل ، وإنما جرهم إلى جميع ذلك حاجة المطعم والملبس والمسكن فنسوا ما يراد له هذه الأمور الثلاثة ، والقدر الذي يكفي منها وانجرت بهم أوائل أسبابها إلى أواخرها ، وتداعت لهم إلى مبادئ لم يمكنهم الترقي منها ،